أحيانًا يصاب الإنسان بآلام هضمية حادة يقوم الطبيب بتشخيصها بعد إجرائه سلسلة من الفحوصات والإجراءات الطبية على أنها حالة نفسية غير معروفة الأسباب.
وقد تستمر معاناة المريض لفترات طويلة حتى يكتشف بأن مرضه عبارة عن التواء أو انقلاب في المعدة، إذا تم معالجتها تنتهي فترة مؤلمة من حياته.
لكن لماذا يتأخر التشخيص والعلاج عادة؟ وما أسباب حدوث هذا الالتواء أو الانقلاب وكيفية علاجه؟
د. أوس شاكر سليم استشاري، الجراحة العامة والجهاز الهضمي، يجيب عن هذه التساؤلات، فيقول إن ندرة حالات التواء المعدة أو انقلابها أدى إلى تجاهل الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض الذي ينتج عنه آلام هضمية قاسية تربك حياة المريض وتجعله يتنقل بين الأطباء وربما يتعاطى أدوية ويعمل مناظير تؤدي إلى تدهور حالته الصحية.
وتزداد حدة المشكلة إذا علمنا أن هذه الحالة غالبًا لا تظهر أي علامات تشخيصية إلا حينما تخضع لفحوص خاصة.
ويضيف د. أوس شاكر سليم أن حالات الالتواء الجزئي للمعدة لا يتم العناية بها أحيانًا من قبل الأطباء، أو يتم إغفال الحكم على المريض بأنه مصاب بالتواء المعدة، على الرغم من وجود علامات تدل عليها حيث لا يتم أخذها بالحسبان كواحدة من مسببات الآلام الهضمية المزمنة، ويستمر الطبيب في عدم التنبه للحالة حتى تظهر على شكل حالة طارئة بسبب الالتواء الكامل في المعدة، وهو ما يحتاج إلى تدخل جراحي عاجل.
ويعرف انقلاب المعدة بأنه طي الجزء الأعلى من المعدة على نفسه نتيجة عيب خلقي في طول وحجم ذلك الجزء من المعدة مع ارتخاء أربطتها النسيجية، فيحدث انحباس كميات من الغاز الهضمي في الجزء (الجيب) المنقلب من المعدة، والذي يؤدي إلى عدة احتمالات: منها ارتفاع الحجاب الحاجز وضغطه على القلب ما يؤثر على عمل العضلة القلبية، فيظهر عند المريض خفقان واختناق، قد يدفع به إلى مراجعات عديدة وفحوص لا نهاية لها عند أطباء القلب أحيانًا لسنوات عدة بينما تبقى العلة كامنة في المعدة.
وقد ينتج عن هذا الانقلاب هدر كفاءة صمام المريء عند اتصاله بالمعدة ما يؤدي إلى إرجاع محتويات المعدة فتحدث التهابات في المريء بسبب وجود حالة إرجاع محتويات المعدة المزمنة.
من ناحية أخرى، يمكن للانقلاب أن يعبر كليًا عن وجوده بالآلام الهضمية الحادة والمزمنة مع اضطرابات هضمية أهمها سوء الهضم والحموضة المعدية.
وقد يتنقل المريض وهو يحمل كميات كبيرة من الأدوية بين طبيب وآخر بحثًا عن علاج القرح والالتهابات وبكتيريا المعدة واضطرابات حمضية. وربما يجري عدة مناظير للجهاز الهضمي العلوي إلا أنه يظل على حاله.
ولكن، لماذا لا يتمكن أطباء أمراض الجهاز الهضمي من تشخيص مثل هذه الحالات؟
يرجع ذلك إلى أن هذه علة جراحية يعلم بها كفرضية جراح الجهاز الهضمي، بينما أطباء جهاز الهضم بعيدون عن مداخل ومخارج جراحات جهاز الهضم، فضلاً عن ندرة الحالة ما يجعلهم لا يضعونها ضمن الافتراضات التشخيصية.
ويستطرد الدكتور أوس شاکر سليم: التواء المعدة علة أكثر خطورة وتعقيدًا، حيث إنها تعود إلى عيب خلقي في الأنسجة الرابطة والمثبتة للمعدة، وهذا يجعل الغذاء الداخل إلى المعدة، وبأحجام معينة يؤدي إلى إحداث لف أو (لي) أو (طي) للمعدة بدرجات متفاوتة على محورها الطولي، ولذلك تظهر أعراض هذه الحالة مع تقدم العمر إلا إن كانت من النوع المكتسب الناتج عن حوادث الشد الخارجية (أي نتيجة الحمل لدى النساء أو السقوط أو النوم والمعدة ممتلئة بالغذاء وغيرها من الأسباب الكثيرة)، أو التداخلات الجراحية أو التصاقاتها والتي يمكن لها الظهور بأي عمر، وغالبًا ما يكون هناك تاريخ طويل عمره سنوات من الآلام الهضمية الحادة التي تدوم لبعض الوقت ثم تختفي، أو آثار رجوع محتويات المعدة إلى المريء والتهابه أو اضطرابات قلبية نتيجة لانحباس أحجام متفاوتة من الغاز الهضمي وتأثيرها على الحجاب الحاجز، ومن ثم عمل العضلة القلبية، وكل هذه الأعراض والمضاعفات تعبر عن التواء جزئي غير متكامل قد يتحول إلى التواء کامل يفرض تدخلاً جراحيًا طارئًا.
ومن هنا يجب التنبه إلى احتمال وجود أي من انقلاب المعدة أو التوائها غير الكامل في أي مريض عنده تاريخ معاناة طويل من اضطرابات قلبية أو اختناقات، خصوصًا بعد الوجبات الكبيرة وفي أثناء الرقاد مع استثناء أمراض القلب والرئتين، أو الشكوى بين فترة وأخرى من آلام هضمية حادة قد تطول أو تقصر، وعمل فحوصات وتحاليل والحصول على علاجات دون أي استفادة.
ولا بد عند التشخيص ألا يغفل الطبيب تحديد نسب الدهون بالدم مع حالة القلب والرئتين والجهاز الهضمي العلوي بما في ذلك المريء الذي تؤدي تقلصاته المضطربة إلى معاناة مشابهة، أو البنكرياس التي تؤدي عند التهابها المزمن إلى أنواع متفاوتة من الألم الهضمي.
ويساعد فحص الجهاز الهضمي العلوي بالمنظار في رسم خطوط تشخيصية واضحة للمريء والمعدة والاثني عشري، ولكن الصورة تكتمل باستعمال الفحص الإشعاعي بالصبغة الملونة للمعدة ورأس المريض منخفض.
وعند استكمال تشخيص حالة المعدة يختلف علاج الانقلاب عن الالتواء، فالأول لا يحتاج إلى تدخل جراحي إلا إذا نتج عنه اضطراب صمام المريء والمعدة ما يؤدي إلى إرجاع محتويات المعدة إلى المريء، وغالبًا ما يستفيد المريض من إعادة برمجة نظام طعامه بالابتعاد عن الوجبات الكبيرة وتلك التي في ساعات متأخرة من الليل والأطعمة التي تنتج كميات كبيرة من الغازات المعوية والهضمية.
أما في حالة الإصابة بالتواء في المعدة فينصح بعمل إصلاح جراحي بسيط عن طريق تثبيت المعدة بدون أي تدخل بحجمها ما ينهي المعاناة ويمكن المريض من تناول أي أطعمة باطمئنان كامل.
أما وسائل الوقاية من التهابات المعدة والأمعاء فتتمثل في الابتعاد عن العوامل التي تساعد على نشوئها، مثل:
– عدم التدخين، لتجنب زيادة إفراز وتركيز حمض المعدة ما يضاعف خطر الإصابة بالقرحة المعدية، ويؤخر شفاء القرحة في أثناء العلاج.
– تناول وجبات خفيفة من الأطعمة سهلة الهضم، كالطعام المسلوق والخضار والفاكهة، وتفادي الدهون والفلفل والبهارات والتوابل في الطعام.
– الحرص على تناول الطعام في مواعيد ثابتة، وتجنب تناول الطعام بسرعة، وعدم ملء المعدة بالطعام، وعدم شرب كمية كبيرة من الماء مع الوجبة، وأخيرًا تجنب النوم بعد تناول الأكل مباشرة لأن النوم يسهل على الحمض الارتداد من المعدة.
– تجنب الوجبات الكبيرة، لأنه كلما ازدادت كمية الطعام في المعدة، ازداد خطر ارتداد حمض المعدة.
– الابتعاد عن المشروبات المحتوية على الكافيين، مثل الشاي والقهوة والشوكولاتة، والمشروبات الغازية.
– تجنب تناول الأطعمة الحمضية لأنها تضاعف من الألم والحرقان. وهذه الأطعمة تشمل المخللات والليمون والبرتقال واليوسفي والجريب فروت والأناناس والزيتون.
– الابتعاد عن الانفعالات والتوتر النفسي.
– تجنب تناول العقاقير المضادة للالتهاب ومسكنات الآلام واستخدام عقاقير أقل ضررًا على بطانة الجهاز الهضمي، فعلى سبيل المثال: يضعف الأسبرين قدرة نسيج الأمعاء على الالتئام.
الأطعمة التي تؤثر على التهاب المعدة والبدائل المسموح بها
منال سمرقندي- اختصاصية تغذية علاجية