من خضروات العالم الجديد، ولا سيما أمريكا الجنوبية حيث يؤكد الآثاريون أن البطاطا كانت تنمو بصورة برية في النطاق الممتد بين بيرو وبوليفيا، من جبال الأنديز، وذلك خلال 8000 سنة قبل الميلاد. وزرعتها قبائل الأنكا على سواحل بحيرة تيتكاكا منذ 4000 سنة قبل الميلاد. وعندما ذهب الإسبان لاكتشاف هذه المنطقة، آملين الحصول على الذهب والفضة، فعادوا إلى بلادهم بحبات من البطاطا!.. وذلك خلال القرن السادس عشر. ومن إسبانيا نقلت إلى بقية الدول الأوروبية. ثم منها نقلت إلى أمريكا الشمالية، وبقية دول العالم فيما بعد. وكانت البطاطا الغذاء الرئيس لشعب حضارة اللأنكا التي قامت في المناطق المذكورة آنفًا. كما استخدمت لأغراض علاجية، واستخدمتها قبائل كوشو في بيرو، بدلاً من القطع النقدية. وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين لم يستخدموها كغذاء في بداية الأمر، لاعتبارها من عائلة نباتية سامة، تسبب الجذام، علاوة على أن رجال الدين حرموا تناولها، بسبب أنها تنمو تحت سطح التربة! ولكن عندما اكتشفوا قيمتها الغذائية، لا سيما بعد كارثة البطاطا في أيرلندا (1840) أصبحت الغذاء الرئيس، لا سيما لعمال الثورة الصناعية، كغذاء رخيص، وذلك خلال القرن الثامن عشر. وهكذا صمدت البطاطا بنجاح بوجه الامتعاض والازدراء الأوروبي في بداية الأمر، حتى أصبحت أهم من نابليون في تغييرها للحضارة الغربية، حتى إن ملك ألمانيا، فردريك وليم، أمر الفلاحين بزراعتها، وإلا قطع أنوفهم. كما صرحت ملكة بريطانيا، اليزابيث، من يترك زراعة البطاطا، عليه أن يأكل أوراقها (سامة). وكانت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، تضع على قبعتها أزهار البطاطا، كي تشجع الفلاحين على زراعتها. وكذلك ملكها لويس الخامس، كان يضع على صدر جاكيته أزهارها، لنفس هدف ماري. وهكذا أصبحت رابع غذاء رئيس منتج في العالم، بعد القمح والذرة والرز، في الوقت الحاضر.
وهي نبات زراعي ذو ساق وفروع قائمة، يصل ارتفاعها إلى أكثر من 70 سنتيمترًا. تنتفخ أجزاء الساق الموجودة تحت التربة، بشكل درنات، يخزن فيها النبات مواده الغذائية، لحين الحاجة. ومنها تخرج جذيرات رفيعة بيضاء مصفرة. إذن هي ليست جذر كما يعتقد كثير من الناس، بل هي جزء من الساق داخل التربة. الأوراق مركبة متبادلة بيضاوية. الأزهار بيضاء محمرة، تنتج ثمارًا صفراء مخضرة، داخلها بذور بيضاء، قليل منها صالح للنمو. الجزء الصالح للأكل هي الدرنات، المختلفة الأشكال والألوان والحجوم. أما الاوراق والسيقان، فسامة. اسمها العلمي (Solanum Tuberosum) والإنجليزي (Potato) مأخوذ من اسمها الأصلي في لغة هنود أمريكا الجنوبية (Papa أوPatata ) وليست (Batatas) التي يقصد بها البطاطا الحلوة اليوم. يوجد حوالي 4000 نوع منها، تتبع العائلة الباذنجانية (Solanaceae) التي تضم الطماطة والباذنجان، وكما يطلق عليها (تفاحة الحب) في بريطانيا، أيام شكسبير.
فوائد البطاطا العلاجية
لقد استخدمت البطاطا منذ القديم لأغراض تغذوية وعلاجية، لاعتبارها من المواد الغذائية المتكاملة والمتوازنة في عناصرها الغذائية. وفي الوقت الحاضر، غالبًا ما نصفها لمن يعاني من الهزال والنحول والروماتيزم، وحالات التواء العضلات والمفاصل والكدمات والرضوض وملخ الأطراف أو الأصابع أو الكتف واحمرار الأنف. كما أنها توصف للوقاية من التهابات وسرطانات الجهاز الهضمي، وعلاج للضغط ولتنشيط جهاز المناعة. وقد استخدمت قديمًا للتسريع في التأم الجروح والقروح وكسور العظام. وكانت نساء قبائل الأنكا وكذلك في بريطانيا، يعملن جيوبًا خاصة في ملابسهن لحمل حبات صغيرة من البطاطا، وقاية من الروماتيزم وآلام المفاصل والفقرات القطنية. وقد أثبتت الدراسات الحديثة، فوائدها في علاج هذه الحالات فعلاً. وهي ضرورية لسلامة الجهاز العصبي. كما تستخدم لعلاج الديدان والحروق بالنار أو الماء، ولدغات الحشرات والتهابات الجلد وحرقة الشمس وسكتة الدماغ وأورام تحت العين. وهي من أفضل العلاجات لمرضى اضطراب التمثيل الغذائي أو الهضم. وهي ضرورية في تغذية الأطفال، لبناء عظامهم ونموهم. وغالبًا ما يستخدم عصير البطاطا لتنظيف الأنسجة الصوفية والقطنية وتلميع الأدوات الفضية. كما أنها تستخدم في مختلف أنواع الأكلات التي أشهرها رقائق وأصابع وحساء ومرق البطاطا.
ميكانيكية العلاج بالبطاطا
إن احتواء البطاطا على 88% من النشا على أساس الوزن الجاف، يجعلها من أكبر مصادر الطاقة، في المواد الغذائية. كما تحتوي من البروتين بقدر ما هو موجود في الحليب تقريبًا. فضلاً عن أنها تزيد من تغذية خلايا الجسم بالأوكسجين. حيث إن حبة بطاطا متوسطة مسلوقة بقشرتها الرقيقة، تسد نصف حاجة الجسم اليومية من العناصر الغذائية الأساسية. وتعزى فاعليتها في علاج الآلام والاضطرابات المعوية والضغط، إلى محتواها العالي من البوتاسيوم وفيتامين(C)، مع قلة محتواها من الدهون والصوديوم. ووجود هذه العناصر مع الفسفور والكالسيوم، جعلها من العلاجات المهمة للكسور والالتواءات. كما أن محتواها من البنتوثينك أسيد يجعلها من العلاجات الفاعلة للجروح والقروح والحروق. واحتواء البطاطا على العناصر المعدنية القلوية الموجبة من البوتاسيوم والفسفور، يجعلها من المواد الفعالة لإزالة الأحماض السامة مثل Alkaloids,Ptomaines التي تسبب الالتهابات في الجهاز الهضمي. وتعزى فاعليتها في مقاومة النمو السرطاني، إلى احتوائها على Protease، وارتفاع نسبة البوتاسيوم فيها يزيد من فاعليتها للوقاية من السكتة الدماغية.
طرق الاستعمال
*- الضغط والتهابات وقروح الجهاز الهضمي والديدان: تقطع حبة كبيرة من البطاطا، دون تقشير، وتوضع في الخلاط، وبعد أن تهرس، تصفى ويشرب من العصير ملعقة متوسطة إلى كبيرة، قبل الطعام للجهاز الهضمي، وبعد الطعام للضغط.
*- الالتواء والكدمات والملخ وعدم نضارة البشرة وحرقة الشمس: تعمل كمادات من العصير المبرد المذكور في الفقرة السابقة على مواضع الإصابة 2-4 مرات يوميًا، أو يغسل الوجه بالعصير1-3 مرات يوميًا.
*- الكسور والحروق والجروح: تقطع حبة بطاطا نظيفة، وتهرس في الخلاط، وتوضع بشكل عجينة على مكان الإصابة، وعليها قطعة من النايلون، ثم تربط بالبلاستر أو قطعة قماش 2-5 مرات يوميًا.
*- الروماتيزم والتهاب المفاصل وآلام أسفل الظهر: تقطع وتهرس حبة بطاطا كبيرة، وتصفى وتشرب ملعقة متوسطة من العصير بعد كل وجبة طعام. والباقي من اللب المهروس يوضع بشكل عجينة على مواضع الألم2-3 مرات يوميًا. كما يمكن عمل الكمادات من ماء سلق البطاطا غير المقشرة.
*- الإسهال: تشوى البطاطا بقشورها وتؤكل حبة متوسطة 2-5 مرات يوميًا.
*- الإمساك والهزال والنحول: تسلق البطاطا وتؤكل بقشورها الرقيقة، مع السلاطة، أو الخبز في وجبات الطعام. وللأطفال تهرس مع الحليب الطبيعي وتحلى، ويطعم بها الطفل 3-4 مرات يوميًا.
*- تقطع وتجفف البطاطا في مكان مظلم، ثم تطحن وتصفى، يخلط الطحين بقليل من الزيت النباتي، بشكل مرهم، وتدهن به مناطق اللدغات.
*- احمرار الأنف: تقطع حبة بطاطا إلى عدة شرائح، ويمسح الأنف بشريحة أو أكثر 2-3 مرات يوميًا، صباحًا وظهرًا وقبل النوم.
– أورام تحت العيون: تقطع البطاطا الغضة إلى شرائح وتوضع شريحة على مكان الورم لمدة خمس دقائق، 2-5 مرات يوميًا.
تحذير: يمنع تناول الأوراق والسيقان وحبات البطاطا الخضراء أو التي فيها بقع مخضرة، لأنها سامة. ولا يجوز تقشيرها قبل الطبخ، حيث إن ذلك يفقدها نصف عناصرها الغذائية، علمًا أن القشور تحتوي على عناصر غذائية مهمة. كما يجب أن يتجنبها من يتحسس منها ومن الباذنجان.
أ. د. داود الربيعي