منذ سنوات وأنت مطلع كل صيف تأكل البطيخ بعد أن تشتريه من كل مكان تقريبًا في محاولة للوصول إلى بطيخة في الذاكرة لذيذة من أيام الزمن الجميل، وغالبًا ما تقيم حفلة عائلية يمكن توسيع دائرتها بدعوة الجيران والأصدقاء وبعض مسؤولي الزراعة والصحة، والمناسبة التي ستحتفل أنت والأسرة والأخوة الآخرون بها هي أنك وجدت البطيخة حمراء من الداخل، ومتماسكة، ولها طعم ما فتئت تتذكره ولكن تعجز عن إيجاده، يضاف إلى ذلك الصوت غير الرخيم لقضم البطيخة الذي نادرًا ما يكتشف لأنه يؤكل صيفًا وأصوات المكيفات «تدهر» فوق رأسك.
حسنًا اجلب ورقة صغيرة وسجل كل أسبوع في جدول من خانتين هما نعم، ولا للإجابة على سؤال: هل وجدت البطيخة صالحة للاستهلاك الآدمي؟ أو بشكل أكثر دقة ممتعة عند الاستهلاك الصيفي وبالطبع الآدمي.
ستكتشف دون عناء أنك بالكاد تضع علامة نعم خلال آخر ثلاث سنوات، ثم تقفز الأسئلة الأخرى: لماذا تلحظ أن «بزر» البطيخ مؤخرًا غير مكتمل النمو رغم انتفاخ الثمرة واحمرارها؟ ولماذا إذا وجدت اللون لم تجد الطعم؟ والعكس؟ ثم لماذا بدأت أشكال البطيخ تأخذ أشكالاً غير طبيعية تشبه إلى حد كبير مخططًا عقاريًا جبليًا لم يتم تسويته؟
وتتوالى «لماذاءاتك»، وتسجل كل أسبوع خسارة لا تقل عن عشرين ريالاً بحثًا عن متعة صيفية يبدو أنها باتت من ذكريات الزمن الجميل.
وتتساءل مرة أخرى: هل يستخدم المزارعون كميات أكبر من السماد الكيميائي أتلفت المحاصيل، أم أن شركات البتروكيماويات باتت تنتج أسمدة بمواصفات أرجنتينية ليست صالحة للأراضي السعودية؟ أم أن المياه المعالجة، أو حتى غير المعالجة هي سبب تردي المحصول؟ وهل هناك مؤامرة على قيلولتك العربية الشهيرة التي تعقب أكل البطيخ في أعقاب وجبة دسمة أو مشوار ساخن في زحمة العاصمة، أم أن هناك افتقادًا عامًا لطعم كل شيء وأي شيء صيفًا وشتاءً؟ أم أن الحكاية أنك أنت شخصيًا فقدت إحساسك بالأشياء، ولم تعد تستطعم بنفس هانئة وبال خلي الأشياء من حولك بما فيها الفاكهة، وتحديدًا السيدة الثقيلة «بطيخة».
كان الباعة قديمًا يصيحون في أسواق الخضار على ظهور «الونيتات» قائلين «حبحب على السكين» وهم غالبًا يضعون على «تندة» السيارة أو فوق منضدة خشبية في السوق بطيخة مفتوحة لونها يحيلك فورًا إلى الشاعر الذي يقول «أنا لا أصدق أن هذا الأحمر المشقوق فم/ بل وردةً مبتلة حمراء من لحم ودم» لمنظرها الشهي الذي يجعلك أحيانًا لا تنتظر تبريدها في المنزل، وتباشرها على الفور ليسقط في يدك وجيبك، وبالتأكيد في ظمئك الصيفي الذي أضيف إليه هذا العام مناخ سمته الغبار، ولا شيء غير الغبار.
أخيرًا، يعتقد البعض أن كثرة المهرجانات الصيفية في الداخل والخارج هي من سحبت كل البطيخ الجيد من السوق نظرًا لتوزيعها على المتنزهين والمتسوقين كونها علامة صيفية معروفة، وهي ربما روت ظمأ الناس للترفيه الذي يبحثون عنه طيلة الصيف ولا يجدونه.
محمد اليامي
*نشر المقال في النسخة الورقية من مجلة عالم الغذاء 2008م