الصحة والغذاء

الأشواك النباتية علمتني الرحمة الإلهية

أخذت الجاروف الصغير وذهبت إلى نبات الصبار الأسطواني الجميل لأقلب الأرض أسفل منه، انتهيت من المهمة وذهبت لأغسل يدي، وفجأة شعرت بوخز إبري شديد في أصابعي وظهر راحة يدي.

نظرت إلى مكان الوخز، فرأيت عشرات الإبر النباتية في أصابعي وظهر راحة يدي، أحضرت العدسة المكبرة لأجد غابة من السهام قد رشقت في يدي، أخذت أعالج الأمر مدة ساعات. قررت بعدها أن أنقل هذا النبات بعيدًا عن أماكن وجودي. فكرت في الأمر كثيرًا وراودني تساؤل هام: لماذا خلق الله تعالى هذا الشوك المؤذي في هذا النبات؟ وتمنيت أن يكون هذا النبات خاليًا من الأشواك.

مرت الأيام وفي كل يوم كنت أرى نبات الرجلة الأملس الناعم وقد قطعت سيقانه وأوراقه بطريقة حادة ومهلكة، ظننت أن الطيور قد فعلت ذلك، وذات ليلة مررت بجوار نبات الصبار الأسطواني الشوكي الذي آذاني فوجدت أعدادا من الفئران تلعب حول النبات، فاستنتجت أن الفئران هي التي أكلت نبات الرجلة الأملس بالليل وأهلكته، لكنها لم تستطع الاقتراب من نبات الصبار الشوكي. أيقنت لحظتها حكمة الخالق سبحانه وتعالى في خلق الأشواك لهذا النبات البري الصحراوي؛ فقد خلقها الله تعالى حماية له من عبث الإنسان ومن الهلاك بالقوارض كالفئران والأرانب وباقي الحيوانات الآكلة للنبات.

صور من الرحمة

وعلمت من هذا الموقف أن كل شيء في الوجود خلق لغاية مقدرة وبحكمة بالغة، نظرت في الأزهار الجميلة المتباينة الأشكال والألوان والرائحة فعلمت أن الله سبحانه وتعالى خلقها جميلة برائحة طيبة ليستفيد منها الإنسان في الزينة والتعطر والدراسة والغذاء لمعرفة عظمة الله سبحانه وتعالى في الخلق.

نظرت لنبات القرع العسلي الضعيف الساق والمدّاد لأرى تلك الثمرة الضخمة لليقطين وقد رقدت على الأرض وهي متصلة بأمها بحبل سري نباتي تستمد منه الغذاء، ولو كانت هذه الساق قائمة لوجدت الساق صعوبة بالغة في حمل هذه الثمرة الضخمة لأعلى، ولو كانت ساق هذا النبات قائمة خشبية وحملت تلك الثمرة الضخمة لأعلى لوجد الإنسان مشقة في حصادها وقطفها وكانت هناك فرصة لسقوطها على الأرض وتهشمها أو السقوط على رأس الإنسان وإيذائه.

تذكرت نخلة جوز الهند العالية وثمرتها الضخمة، قارنت بينها وبين ثمرة القرع العسلي وعلمت أن ثمرة جوز الهند ثمرة خفيفة الوزن، لها جدار خشبي سميك يمنع تهشمها إذا سقطت على الأرض، ولها غلاف ليفي خفيف إسفنجي يحول دون إيذاء رأس الإنسان والحيوان إن سقطت عليه، علمت وتعلمت أن كل شيء في هذا الوجود خلق بحكمة بالغة وبتقدير محكم وبرحمة واسعة.

شاهدت شجرة التوت وقد نفضت أوراقها في الشتاء لحماية النبات من الطقس البارد القاسي في الشتاء، وعندما حان موعد خروج الأوراق من براعمها، وظهور الأوراق الغضة الرقيقة حان في الوقت نفسه فقس بيض ديدان القز التي تتغذى على أوراق نبات التوت الغضة الصغيرة، ولو تقدم فقس البيض عن موعده المحدد والمقدر لهلكت الديدان جوعًا لعدم وجود أوراق نبات التوت التي تتغذى عليها، ولو تأخر الفقس لشاخت أوراق نبات التوت وتجلدت وتدعمت وأصبحت عسرة القضم والهضم على الدودة، ولكن الأوراق والديدان يكبران سويًا وتقوى الديدان على قضم تلك الأوراق وهضمها.

شاهدت أوراق نبات الكازوارينا المستخدم في عمل مصدات الرياح حول المزارع، وجدت ورقته ورقة حرشفية ضامرة حتى لا تؤثر فيها الرياح والحرارة، ووجدت سيقانها الإبرية قد اخضرت وتولت القيام بعملية البناء الضوئي بدلاً من تلك الأوراق الحرشفية التي فقدت وظيفتها البنائية الضوئية لغياب اليخضور من أنسجتها. وجدت أوراق نباتات الظل وقد تفلطحت لاقتناص أي كمية من الضوء تسقط عليها، وقد اختفت الطبقات العمادية المعوقة لوصول الضوء إلى النسيج الوسطي ليتمكن النبات من القيام بعملية البناء الضوئي. وجدت سيقان نباتات العُليق والعنب والقرع قد خلق الله سبحانه وتعالى لها معاليق خيطية تستطيع بواسطتها الالتفاف على الدعامات وتسلقها. وجدت ورقة نبات القلقاس وقد تفلطحت وكبرت لزيادة مساحة السطح المنتج للمواد النشوية الكربوهيدراتية التي ترسلها إلى السيقان الكورمية تحت الأرض ليأخذها الإنسان ويتغذى عليها.

وجدت النباتات الصحراوية ذات التراكيب والتحورات المجابهة للبيئة الصحراوية الجافة الحارة، وفي البيئة الصحراوية نفسها توجد نباتات من دون تحورات لمجابهة تلك العوامل البيئية القاسية، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذه النباتات ذات دورة حياة قصيرة بحيث تنبت بذورها وحبوبها وتنمو وتزهر وتثمر قبل حلول فصل الجفاف والحرارة الشديدة، وبذلك هربت تلك النباتات بسيقانها وجذورها وأوراقها وأزهارها الغضة الضعيفة، واستعمرت الأرض ببذورها وحبوبها ذات الجدر والخصائص التركيبية والوظائفية والحيوية المتحملة للظروف البيئية الحارة والجافة والقاسية وقت الجفاف وارتفاع درجة الحرارة، ونشاط الرياح المحملة بالأتربة والرمال.

وعلمتني أوراق النبات بحوافها المتباينة، وبنصولها المختلفة وقواعدها المعجزة وقممها العجيبة، الإبداع في الخلق، مع الجمال وروعة الخلق والتنوع والتباين وكل ما يدل على القدرة الإلهية المعجزة.

وهكذا علمني نبات الصبار الأسطواني في هذا الأصيص الصغير بأشواكه الحادة والقاسية والدامية كيف أرى رحمة الله في الخلق، وروعته في الصنع فتبارك الله أحسن الخالقين.

أ.د. نظمي أبو العطا – أستاذ علوم النبات

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم