الصحة والغذاء

الأسماك الصغيرة و إطعام سكان الأراضي الجافة

ذكر تقرير جديد لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) حول مصائد الأسماك في الأراضي الجافة في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أنَّ الأسماك الصغيرة البحرية السريعة النمو يمكن أن تلعب دوراً مهماً في القضاء على الجوع في بعض مناطق العالم التي تعاني من فقر ونقص تغذية مزمنين.

يعتبر الماء أحد الموارد سريعة الزوال في الأراضي الجافة في قارة إفريقيا، حيث تتشكل المسطحات المائية وتختفي خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً. وذكر التقرير أنه رغم ذلك، فإن تلك الأسماك، التي يزن بعضها أقل من غرام واحد عند اكتمال نموها، تستطيع العيش والنمو في تلك البيئات. وبعبارة أخرى، فإن مصائد الأسماك في الأراضي الجافة في إفريقيا تتميز في الحقيقة بإنتاجية ومرونة عاليتين.

يتفاوت إنتاج مصائد أسماك الأراضي الجافة بسبب التغيرات المناخية وتحديداً: تساقط الأمطار القليلة وغير المؤكدة. ولكنَّ القدرة الإنتاجية عالية جداً في المسطحات المائية الصغيرة التي يظهر بعضها مرة كل عشر سنوات إذ أنها تنتج سنوياً 150 كيلوغرام من الأسماك لكل هكتار سنوياً. وفي مجموعها، تغطي هذه المسطحات المائية الصغيرة مساحة أكبر من المساحة التي تغطيها البحيرات والسدود والخزانات المائية الموجودة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى. وتوصل التقرير أنه إذا أديرت المسطحات المائية الموجودة في جنوب إفريقيا بالشكل الصحيح، فيمكنها إنتاج 1.25 مليون طن من الأسماك، أي ما نسبته 50% من إجمالي انتاج مصائد الأسماك في المياه الداخلية في قارة إفريقيا بأكملها.

ورغم أن صناع السياسات غالباً ما يهملون قطاع مصائد الأسماك الصغيرة، ويصرفون النظر عنها لأنها لا تجلب الثروة، إلاَّ أن هذا القطاع يمكن أن يُشَكَّلَ مورداً مساعداً فعالاً جداً.  ويقول معدو تقرير “مصائد الأسماك في الأراضي الجافة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”: إن توفر الأسماك الصغيرة عند إضافتها إلى المحاصيل والمواشي يساعد على وجود سبل معيشة مرنة ومنوعة في بيئة لا يمكن التنبؤ بظروفها.

كما توصل التقرير إلى أنَّ معدل استهلاك الأسماك في المناطق الجافة أعلى من الأرقام الرسمية، ما يشير إلى أن له دور مهم بشكل غير متوقع في تحقيق الأمن الغذائي المحلي، ما دفع الباحثين إلى دراسة تحسين إدارة هذا المورد الذي يتسم بأنه مزدهر أحياناً وكاسد أحياناً أخرى.

توفر الأسماك مزيجاً من المواد الغذائية حيث أنها تعتبر أرخص بروتينات حيوانية وتحتوي على الأحماض الأمينية والدهون والمغذيات المتناهية الصغر التي يصعب الحصول عليها في الأراضي الجافة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي يعتبر معدل استهلاك الأسماك فيها لكل نسمة أقل بكثير مقارنة مع عموم دول إفريقيا والبالغ 10 كيلوغرام سنوياً.

كيف تستطيع الحصول على الأسماك في الأراضي الجافة؟

قال جيبي كولدنغ أحد معدي التقرير الرئيسيين وأستاذ الأحياء في جامعة بيرغن في النرويج: “للأسماك قدرة إنتاجية مذهلة عندما تكون الظروف مواتية”، مضيفاً: “إنَّ قدرة الأسماك على وضع البيض تجعلها شبيهة بالحشرات أكثر من الفقاريات الأخرى”.

وتتألف 50% من منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا من أراضي جافة، حيث تتفاوت المياه السطحية بشكل واسع وتتكيف الأنظمة البيئية مع معدلات هطول الأمطار التي لا يمكن توقعها.

في الواقع، كانت بحيرة نغامي في بوتسوانا وبحيرة ليامبيزي في ناميبيا جافتين لأكثر من عشرين عاماً، ولكنهما تتميزان الآن بإنتاج كميات مذهلة من الأسماك. وبحسب التقرير، يمكن أن تنتج مصائد أسماك الأراضي الجافة، المتفاوتة بشدة بطبيعتها، أربعة أضعاف إنتاج بحيرة مدارية أو خزان مائي.

ولكنَّ قدرة الأسماك على العيش في ظل التغيرات الصعبة في مواطنها – حيث يصبح خزان خشم القربة في السودان جافاً كل عام ولكن الأسماك تعود له دائماً – غير مفهومة بشكل كامل.  يستطيع سمك القرموط الإفريقي (المسمى Clarias gariepinus) البقاء على قيد الحياة بدفن نفسه في الطين، بينما تجد أنواع أخرى من الأسماك ملجأ لها في الجداول الصغيرة القريبة. وتتوافق كلا الاستراتيجيتين، بفضل بيئة ديمغرافية شديدة التقلب ولكن ممكنة بسبب خصوبة الأسماك، مع الاعتقاد المحلي الشائع بأنَّ “الأسماك تأتي مع المطار”.

مسار عملي لزيادة مزايا مصائد أسماك الأراضي الجافة

رغم أنَّ مصائد الأسماك لا يمكن أن تكون حلاً سحرياً لـ 390 مليون نسمة يعيشون في الأراضي الجافة في قارة إفريقيا، إلاَّ أنَّها يمكن أن تؤدي دوراً محورياً في تحقيق النمو الأزرق لأن لها فوائد متعددة.

وتشكلَّ القدرة الإنتاجية الضخمة لمصائد أسماك الأراضي الجافة عاملاً مهماً للغاية حيث أنها توفر بروتينات غذائية وخيار اقتصادي في منطقة من غير المرجح أن تلبي فيها التنمية الزراعية وحدها الاحتياجات الغذائية والتغذوية.

ويتطلب استغلال مصائد أسماك الأراضي الجافة الاعتراف بمصائد الأسماك في سياسات الإدارة المائية للأراضي الجافة والغذاء والتغذية.  ويمكن تحقيق المزيد من المزايا في حال توفير مرافق المعالجة والتخزين الكافية، لأنَّ مدة صلاحية الأسماك المجففة بالشمس في عام يشهد طفرة إنتاجية تمتد لسنوات، ويمكن استخدامها كمورد محلي للوجبات الغذائية الطارئة في المنطقة

 

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم