في صبيحة أحد أيام الريف الإنجليزي الغائمة، مضى فلاح فقير في طريقه بين الحقول، سمع صوت استغاثة.. صوت ولد.. أخذ يبحث حوله عن مصدر الصوت. طفل صغير لم يتعد العاشرة في حفرة طينية بجانب الطريق يشرف على الموت. هب الفلاح الشهم منقذًا له وسأله: من أنت ومن أين؟… إنه ابن أحد الأثرياء من مالكي الأراضي المجاورة.
في صبيحة اليوم التالي، وقفت عربة فارهة ذات جوادين على أبواب الفلاح الفقير وترجل منها رجل تفوح منه مظاهر الثراء، واقترب من الفلاح شاكرًا له المعروف في إنقاذ ولده من موت محقق.
دس في يد الفلاح مبلغًا معتبرًا من المال جزاء واجب أداه، لكن الفلاح رفض بشدة أن يتقاضى أجرًا على معروف أسداه.
تحير الثري.. كيف يرد معروف هذا الرجل الأبي. تلفت الثري حوله فوجد ابن الفلاح في رث الثياب. فسأل عن تعليمه. فأجابه الفلاح بأنه لا يملك المال لتعليمه. هنا عرض الثري الطيب أن يتولى نفقات تعليمه مع ابنه كرد لجميله، فوافق الفلاح.
ووفى الثري بوعده. ومضت السنون.. كبر الأطفال وصاروا شبابًا.. تخرجوا في أعرق الجامعات الإنجليزية.
انظروا إلى ابن الفلاح اليوم.. أصبح أحد العلماء البارزين في مجال دراسة سلالات البكتيريا.
في أحد الأيام، وفي مختبر أبحاثه كان يجري بعضًا من أبحاثه حينما لاحظ أن بعض أطباق نمو البكتيريا خالية من أي بكتيريا!
لقد قتلت البكتيريا، كما لاحظ نمو نوع من العفن في هذه الأطباق.
استرعى هذا انتباهه بشدة. أخذ بعضًا من هذا العفن وأضافه إلى المزارع البكتيرية الأخرى، فإذا بالبكتيريا تتوقف عن النمو، بل تموت.
هذا العفن هو «بنسيلليوم نوتاتم» الذي استخلص منها قاتل البكتيريا ومنقذ البشرية «البنسيللين».
عزيزي القارئ هل عرفت هذين الطفلين اللذين تربيا سويًا حتى سن الشباب؟
إنهما ألكسندر فلمنج ابن الفلاح البسيط مكتشف البنسيللين عام 1928، منقذ البشرية من العدوى البكتيرية القاتلة.
أما الآخر ابن الثري الطيب، فهو ونستن تشرشل رئيس وزراء إنجلترا إبان الحرب العالمية الثانية.
ما يفعله الآباء يحصده الأبناء. معروف أسداه فلاح فقير صبيحة يوم بين الحقول كان سببًا في اكتشاف البنسيللين، المادة التى أنقذت البشرية من الفناء.
الدكتور حسين الصباغ – أستاذ الكيمياء الصيدلية