قبل خمس سنوات تقريبًا، فازت كارين ريد (Karen Reed)، وهي من مقاطة (يوركشاير) البريطانية، بجائزة تسمى «نحيلة المنطقة» لتلك السنة.
مثل هذا الخبر في العادة يحمل الكثير من الجاذبية لأهالي تلك المناطق، ولكن الذي لم تكن الناس تعرفه عن (كارين) هو أنها منذ 28 سنة وهي تعاني من مرض خطير يعرف باسم (البوليميا).
بداية المأساة
الحياة اليومية لهذه المرأة يمكن تلخيصها في أنها تتناول الطعام بنهم إلى حد تفقد فيه السيطرة على نفسها، ثم تتقيأ حتى تتخلص من الطعام الذي تناولته لتوها، مما يترك على جسدها آثارًا شديدة الإرهاق.
تحكي (ريد) قصتها الحزينة قائلة: «كنت في الخامسة عشرة من عمري عندما تقيأت لتفريغ الطعام أول مرة… أبلغ الآن من العمر 43 سنة… لا أتذكر كيف كنت أشعر أيام كنت طبيعية، فالوضع الحالي هو الطبيعي بالنسبة لي. فأن أتقيأ في اليوم مرتين أو ثلاث مرات، لهو الأمر الطبيعي».
ولكن الأمر تطور إلى أخطر من ذلك، ليس عندها فحسب، ولكن عند بنتها التي أصيبت كذلك بالبوليميا، إنها قصة معاناة عائلة، حتى الزوج يعاني وإن كان غير مصاب بذات المرض.
الابنة جيسيكا (Jessica)، تبلغ من العمر 17 سنة تعمل عارضة أزياء. وربما يفسر ذلك سبب انضمامها إلى قافلة أمها. تقول: رأيت أنها وسيلة فعالة في بداية الأمر للتخلص من الوزن الزائد (الذي لا أحتاجه كعارضة الأزياء).
في المرة الأولى عندما نظرت إلى الميزان بعد أول قيء وجدتني خسرت بضعة كيلو جرامات، من هنا ما برحت (أتقيأ) بعد ذلك.
الدواء المعجزة
في بريطانيا يعالج الأطباء مرض البوليميا على أنه اضطراب نفسي. ولهذا السبب عرضت الأم وابنتها نفسيهما على طبيب نفسي، إلا أنهما لم يحققا كثيرًا من النجاح.
وفي تجربة نادرة، تابعت هيئة الإذاعة البريطانية (www.bbc.co.uk)هاتين المرأتين وهما تجربان دواء جديدًا تعتقدان أنه سيعافيهما من حالتهما.
الدواء هو زوفران (Zofran) ويسمى أيضًا أوندان ساترون (Ondansatron)، ويستعمل للوقاية من الغثيان أثناء العلاج الكيماوي من السرطان. إلا أن علماء من الولايات المتحدة يجربون الدواء الآن على مرضى البوليميا، حيث يعتقدون أن مرض البوليميا يبدأ بالفعل كاختلال نفسي، إلا أنه قد يتحول إلى «إدمان» جسدي. فدورة النهم ثم القيء، إذا استمرت مدة طويلة، يؤدي إلى اضطراب المسلك العصبي الرئيس من المعدة إلى المخ الذي يخبر الدماغ أن المعدة ممتلئة. ومن جراء ذلك يصاب الشخص بحالة (مستديمة) من البوليميا.
والذي يفعله الدواء الجديد هو أنه يثبت أو يرسخ هذا العصب من الجديد ويعطي المريض بعض السيطرة مرة أخرى.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن (ريتشيل هوبسون)، التي تسكن بالقرب من كارين، تناولت هذا الدواء قبل سنتين، فتعافت من مرض البوليميا الذي ظلت تعانيه مدة 12 سنة.
وعلى كل حال فإن الدواء، عند (ريتشيل) على الأقل، لم يكن دواء معجزة. فبالإضافة إلى تعاطي الدواء احتاجت إلى قوة إرادة كبيرة للتغلب على مرضها.
فبحلول الأسبوع الثالث والرابع كانت تقول لنفسها «يا إلهي، إن الدواء لا يناسبني إطلاقًا». لقد أصيبت بالهلع حينئذ حتى أنها شعرت أن الدواء حتما سيفشل في علاج الحالة. ثم اتصلت بالشركة الأمريكية المنتجة للدواء فطمأنتها بأن هذه الأعراض شائعة عند كل من يحاول العلاج من البوليميا باستعمال هذا الدواء، وأن الحالة في اضمحلال وما عليها إلا أن تصبر.
وبالفعل هدأت حالتها. على ذلك فإن كلاً من كارين وابنتها ومن على شاكلتهما إذا نفعهما الدواء، فإنه سيغير من حياتهما تغييرًا كليًا.
شراء طعام ثم التخلص منه
الغريب في الأمر أن الأم وابنتها تنفقان في الأسبوع حوالي 300 جنيه على الطعام، وتترددان على (السوبرماركت) بشكل دوري للتزود بطعام «النهم» المعتاد.
تقول البنت جيسي: «لا أتسوق أبدًا لشراء أشياء تستطيع معدتي أن تحتفظ بها. لكن أبحث عن أشياء لذيذة أستطيع أن آكلها بشراهة (ثم أتخلص منها بسهولة، ومن ذلك الدجاج لأنه يخرج بكل سهولة… أما لحم البقر فيلصق بالحلق».
أما الزوج فيقول إنه يعيش في جحيم دائم. فبخلاف أنه هو الذي يدفع ثمن الطعام المهدور، فإنه قلق جدًا على حياة زوجته. يقول: «كل مرة تذهب فيها لتفريغ معدتها من الطعام أخاف على حياتها. إنها هي نفسها تعتقد أنها ستموت بسبب عملية التفريغ (المهلكة) وبسبب الأشياء التي تلتصق في حلقها. ولا تستطيع التنفس (أحيانا)».
عودًا إلى الدواء، فبعد 16 يومًا من تعاطي (زوفران) بدا وكأن له مفعوله الإيجابي على كارين. تقول: «منذ 29 عامًا من دورات الشراهة والاستفراغ، وأنا أفرغ ما في معدي مرتين في الأسبوع على الأقل. والآن بعد 16 يومًا من تعاطي الدواء لم أستفرغ سوى 7 مرات، إنه لأمر عجيب». إلا أنه بعد 5 أسابيع قررت (كارين) التخلي عن الدواء. تقول: «لقد أصبح الانشغال بالطعام عظيمًا في رأسي، لدرجة أنه كلما حاربته كلما كبرت المشكلة، ثم وصل الأمر بي أني لا أستطيع أن أستمر في تعاطي الدواء».
وقد ظهر بعد ذلك إن كارين كانت تعاني مشكلة إدمان الكحول. وهذا هو السر في عدم انسجامها مع الدواء. الشركة المنتجة علقت تقول، إن الدواء لا يصلح للذين يعانون من مشاكل أخرى خلاف البوليميا، ومن بينها الإدمان.
نهاية سعيدة
وربما لم تكن نهاية القصة سعيدة للأم. أما بالنسبة للابنة جيسي، فقد قررت تعاطي الدواء، رغم أن الأطباء نصحوها بعدم الإقدام (ربما لأسباب تتعلق بحال أمها). وبعد 10 أسابيع، تقول جيسي إن الدواء استطاع أن يعالجها على ما يبدو. تقول «أشعر بتحسن، وأصبحت الحياة سهلة، ولم تعد حياتي فقط تدور حول تناول كميات كبيرة من الطعام ثم إلقاؤها إلى الخارج».
ولعل الموضوع لا يكتمل حتى نستفيض بعض الشيء في مرض البوليميا العجيب. فحسب المجلة الدولية للسلوكيات الغذائية المضطربة (International Journal of Eating Disorders)، فإن المصابين بها حول العالم في أي وقت من الأوقات تصل نسبتهم إلى 1.5%.
المؤسف في الموضوع أن حوالي 6% من هؤلاء المرضى فقط يتلقى عناية صحية. وأن من أسباب عدم تلقي بقية الحالات العلاج هو الطبيعة السرية للمرض. كما أن المريض (أو أولياء الأمور) إذا ما أرادوا علاجًا نفسيًا للحالة فإنها تمر أولًا بعملية معقدة، وفي النهاية قد لا يتأهل الشخص (في المستشفيات الحكومية) لهذا العلاج.
لكن المخيف أكثر أن سن الإصابة بدأ يتقلص. فحسب الدكتور تيري برافندير (Terry Bravender)، أستاذ مشارك في طب الأطفال في المركز الطبي التابع لجامعة دوك (Duke University Medical Center)، أصبح (الحد من الوزن) موضة سائدة بين الطالبات، أصبحت بنات في المجتمعات الغربية لا يزيد عمرهن عن 7 سنوات يهتممن بأشكالهن وأوزانهن.
نذر الخطر
الخبير ينبه الآباء إلى أشياء معينة هي نذير خطر إذا بدأت تظهر على بناتهن:
– ممارسة الحمية بشكل متكرر
– الكلام كثيرًا عن الأطعمة «المسببة للبدانة».
– المكوث وقتًا طويلًا أمام المرآة.
– القدوة غير الحسنة، فالأطفال بطبيعتهم يحبون التقليد ويتقنونه. فإذا كانت الأم تمارس حمية، فإن الاحتمال كبير أن تفطن البنت لذلك.
ولكن البوليميا، حسب آخر الأبحاث ليست مشكلة مراهقات فقط. فعلى خلاف ما كان يعتقد من أن البنات المراهقات، في منتصف سنوات المراهقة، هن رهينات لاضطرابات السلوك الطعامي مثل البوليميا، فإن نتائج خرجت بها مستشفيات برايوري (Priory Hospitals) في بريطانيا دلت على أن النساء في العشرينيات، هن رهائن أيضًا لدورات متكررة من التجويع والنهم والتخلص من الطعام. أما اللاتي في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات فلا يعانين هذا الاضطراب، وإن كن مصابات بزيادة وزن خطير لأنهن يتناولن الطعام من أجل المواساة الذاتية.
الخلاصة أن المشكلة تتفاقم، لأنه بدلًا من البحث عن مساعدة طبية يذهب المصابون باضطراب غذائي سلوكي إلى مراكز للتغذية أو الطب البديل، وإن هذه المراكز لا تحل لهم القضية النفسية، وهي السبب الرئيس الكامن وراء معاناتهم الغذائية.