أمراض الكبد المزمنة:
هي مجموعة من الأمراض التي تصيب الكبد بالإلتهاب المزمن والذي يتطور تدريجياً إما بشكل واضح معروف لدى المريض والطبيب أو تتطور بشكل صامت غير ملاحظ لا من المريض ولا من الطبيب ويصل تدريجياً إلى مراحل متقدمة من التهاب الكبد المزمن التي تنتهي بمراحل من تليف الكبد وتشمع الكبد الكامل. ويمكن أن تتطور بشكل خطير من خلال الإصابة باستسقاء البطن والساقين، والإصابة بدوالي المريء والتي يمكن أن تنزف بشكل مفاجىء، ويرافق ذلك نسبة عالية من الوفاة قد تصل إلى ٢٥ – ٣٠ ٪ ، والإصابة بالاعتلال الدماغي المزمن الذي يترافق بفترات من فقدان الوعي والغيبوبة الكبدية، ومن النهايات الكارثية لأمراض الكبد المزمنة الإصابة بسرطان الكبد في المراحل النهائية للمرض.
هذه المسيرة المزمنة لأمراض الكبد المزمنة تتميز باختلاف الأسباب وتنوعها، فهناك عشرات الأسباب تختلف عن بعضها بطرق الإصابة وسرعة التطور إلى نهايات المرض.
ونذكر من الأسباب أهمها:
١. التهاب الكبد الفيروسي المزمن (B) و(C): له طرق متعددة من انتقال العدوى أهمها نقل الدم الملوث أو استعمال الإبر الملوثة خاصة عند مدمني المخدرات، أو الممارسات الجنسية المتعددة اللاشرعية، تبادل أدوات الحلاقة بين الأشخاص، ويمكن أن ينتقل المرض في عيادات الأسنان إذا لم يتم التعقيم الكافي.
٢. أمراض الكبد الوراثية الاستقلابية: نذكر منها اضطراب في استقلاب الحديد (الهيموكرماتوزز) أو النحاس (مرض ويلسون) والتي تتميز بتوضع وارتشاح الحديد أو النحاس في أعضاء مختلفة حيوية في الجسم ومنها الكبد موضوع مقالتنا اليوم.
٣. أمراض الكبد المناعية: والتي تستهدف الكبد باضطراب المناعة الذاتية وتطور المرض تدريجياً الى التهاب الكبد المناعي المزمن والذي يتطور إذا لم يتم علاجه الى تليف الكبد الكامل ومضاعفاته.
٤ تشحم الكبد والتهاب الكبد الشحمي: حالات تشحم الكبد كثيرة وقد تكون مجهولة السبب ولكن كثير منها يترافق مع البدانة وزيادة الوزن المفرطة أو تترافق مع مرض السكري غير المنضبط أو ارتفاع في شحوم الدم خاصة الشحوم الثلاثية الناحمة عن الإفراط بتناول النشويات والسكريات التي يحولها الجسم داخليا إلى شحوم مختلفة تتوضع في بعض الأعضاء أخطرها الشرايين والكبد.
٥ . إلتهاب الكبد الكحولي: والذي يتطور مع استمرار تناول المشروبات الكحولية بكميات منتظمة إلى تليف الكبد الكامل ومضاعفاته.
٦. تشمع الكبد الصفراوي والتهابات القنوات الصفراوية الصاعدة وخاصة عند النساء في العقد الثالث من العمر ويبدأ بشكل خفي بحكة في الجلد وبعدها اصفرار الجلد.
التظاهرات السريرية عند المرضى مختلفة ومتباينة جداً:
المريض يمكن أن يراجع العيادة بأعراض واضحة جداً مثل آلام في البطن، غثيان، اصفرار، حكة، وفي حالات متقدمة انتفاخ في البطن وتورم في القدمين، مع تغيرات وعائية جلدية وحمامى في الكفين مع ارتفاع في وظائف الكبد.
ولكن المشكلة الأكبر عندما يبقى المرض صامتاً بلا شكوى أو أن المريض يهمل شكاوي يعتبرها تافهة ولا يتم التشخيص لأول مرة إلا في مراحل متقدمة، فالمريض يأتي بحالة تليف أو تشمع كبد كامل أو مضاعفاته مثل إستسقاء في البطن ووذمات بالساقين، ومن الممكن أن يكون التشخيص لاول مرة له بوجود ورم في الكبد يتبين فيما بعد أن ورم خبيث فيه وهو من المضاعفات المتأخرة للمرض الكبدي المزمن، وأحياناً يأتي المريض أول مرة بنزيف هضمي حاد ويتبين بالفحوصات إصابته بنزيف من دوالي المريء الناجمة عن تشمع الكبد وهذه الحالة تترافق مع نسبة كبيرة من الوفاة والتي تصل إلى ٣٥ % .
لذلك وبسبب هذه المضاعفات الخطيرة فالتشخيص الدقيق والمبكر غاية في الأهمية وضرورياً جداً للوقاية والعلاج بوقت مبكر.
كثير من أمراض الكبد المزمنة يمكن علاجها وإيقاف تطورها ووصولها لمراحل متقدمة وخطيرة، وهناك منها ما يمكن الوقاية منه وتجنب حدوثه وخاصة التهابات الكبد الفيروسية بي وسي بالعديد من طرق الوقاية والتي نذكر أهمها بطريقة تفادي نقل الدم الملوث، تفادي المخدرات والإبر الملوثة وتفادي العلاقات الجنسية المشبوهة والمحرمة. ومن سبل الوقاية المهمة أيضاً الامتناع عن تناول الكحول والامتناع عن تناول الأدوية بشكل طويل وخاصة الأدوية التي تسبب أذية والتهاب مزمن في الكبد. ومن طرق الوقاية هو التشخيص المبكر والعلاج المبكر.
ولكن كيف يتم التشخيص المبكر؟
طبعاً المشوار لذلك طويل ومعقد، والطرق التشخيصية تختلف وتتباين. تبدأ بمتابعة وظائف الكبد الأساسية المعروفة وفِي حال استمرار إضطراب وظائف الكبد نلجأ للتشخيص بالفحوصات النوعية كفحوصات الفيروسات والفحوصات المناعية والاستقلابية وقياس مستويات الحديد والنحاس في الدم. وغالباً نحتاج عمل أشعة مقطعية أو منظار للمعدة. ومن المهم جداً في الطريق العلاجي تحديد كمية الشحوم أو الإلتهاب أو التليف في الأنسجة الكبدية والتي يمكن تقديرها بطريقتين: الأولى بعمل عينة خزعة من الكبد التي تحتاج الى تنويم في المستشفى مع خطر النزيف الحاد والألم الذي يرافقها. ومن الطرق الحديثة التي تجعل الحصول على ذلك بدون الألم وبدون خطر النزيف وبدون التنويم في المستشفى هو الفحص الرقمي الدقيق والسريع في العيادات الخارجية هو الفحص بواسطة جهاز الفايبروسكان FibroScan الرقمي والذي يُعطي نتائج فورية ورقمية عن نسبة التشحم أو التليف في الكبد وصولاً لتشخيص تشمع الكبد.
العلاجات النوعية الشافية لالتهاب الكبدي سي أصبحت متوفرة وبنسب شفاء أكيدة تصل إلى ٩٥ – ١٠٠ ٪ .
من الأسباب التي يمكن علاجها بنجاح: تشحم الكبد المترافق مع زيادة الوزن والبدانة المفرطة والتي لها بدائل علاجية متنوعة.
ويجدر بالذكر أن التشخيص بالفيبروسكان متوفر لدى مستشفى الدكتور الحسن النعمي التخصصي بالدمام، وكذلك تتوفر فيه البدائل العلاجية المختلفة الشافية للسُمنة بدءاً بالتغذية العلاجية وبرامج التغذية وبالونات المعدة المؤقتة وعمليات تكميم المعدة او تحويل المسار والتي تتوفر كلها تشخيصياً وعلاجيًا في المستشفى.
د. محمد زهير الحمصي
إستشاري الأمراض الباطنية والهضمية والتنظير