عندما يحمل التلميذ الصغير حقيبته مطاردًا برائحة لحوم الهامبورجر أو الكفتة أو اللانشون أو البسطرمة، فيأكل بين الحصص وينام خلالها، وينتهي اليوم الدراسي والتحصيل بـ: لا شيء.. هنا يقول العلماء “فتش عن الساندويتش”.
إذا أردت أن تعرف أسباب خمول وفشل طفلك في القدرة على الاستيعاب، وبلادة الذهن.. فقد أكدت كافة الدراسات أن نقص النشويات والسكريات في طعام التلاميذ يدفعهم للعدوانية، وأن كثرة تناول اللحوم تصيب بالخمول..
فما هي أسرار ساندويتشات التلاميذ الأذكياء؟
كان هذا السؤال محورًا للخلاف بين ثلاثة علماء متخصصين في التغذية، أحدهم أكد وجود علاقة وثيقة بين سلوك الطفل في المدرسة والوجبة التي يتناولها في الصباح، لذلك فقد يكون عدوانيًا أو خاملاً أو متوازنًا.. حسب ما أكل.. وآخر أكد براءة الغذاء من ذلك.. فالغذاء غذاء ولا يمكن أن يضر إلا إذا كانت الوجبات غير متوازنة، أما العدوانية والخمول والاعتدال فسلوك يعود إلى ظروف التنشئة والبيئة فقط.. أما العالم الثالث فقال إن نقص الغذاء وليس الغذاء هو المسؤول عن العدوانية أو الاعتدال أو التوازن، بل إن نقص الغذاء مسؤول عن حب التلميذ لحصة مادة معينة وكراهيته لأخرى، فيكره الإملاء والألعاب والحساب، إذا خلت وجباته الغذائية من عناصر معينة، والعكس صحيح.
ولا شك أن اللحوم مهمة وأساسية لأطفالنا، ولكن من اللحم ما قتل، فنحن نعطيهم اللحم بطريقة خاطئة، خاصة تلك التي تم تحضيرها بشكل سريع تحت مسمى الوجبات السريعة، ومن الجائز أن نعطي الطفل وهو ذاهب إلى المدرسة ساندويتش كفتة “بيتي” مع بطاطس محمرة “بيتي” وقطعة خس..
ولكن من غير المعقول أن نعطيه ساندويتشات كفتة وسجق وهامبورجر ولانشون وبسطرمة، تمهيدًا لكمية اللحوم الكبيرة التي سيتناولها في الغداء.. فقد ثبت علميًا أن كثرة اللحوم تؤدي إلى السلوك العدواني، وقد أجريت بعض التجارب العملية على طيور لا تأكل اللحم بعد إرغامها على ذلك، وحيوانات مفترسة تأكل اللحم.. وأرغموها على أن تأكل حبوبًا ونباتات.. فأتوا بمجموعة من الديوك وجعلوها تأكل اللحم طوال الوقت، فكانت النتيجة أن أصبحت جميعها عدوانية لا تهدأ عن العراك والفتك والتناحر طوال الوقت.
وأتوا بأسود وجعلوها تأكل الحبوب والنباتات، فكانت النتيجة أنها أصبحت وديعة هادئة وتفضل النوم على الاستيقاظ.. لذلك لا بد من تقليل كمية اللحوم المقدمة للأطفال بقدر الإمكان.. فإن لكل شيء حساباته، والطفل يحتاج يوميًا إلى مقدار حوالي 3 جرامات لكل كيلو جرام من وزنه، ولا يشترط أن يكون البروتين الذي يأخذه لحومًا، فهناك البيض والسمك واللبن والبقول.
وقد توصل العلماء إلى أن خلطة من بقول العدس واللوبيا والفول والفاصوليا تقدم للأطفال في صورة شوربة يكون لها أكبر الأثر في تنمية ذكاء الطفل، وركونه إلى الهدوء وعدم التعدي أو العدوانية.
لكن الكلام عن اللحم وأضراره لا يجعلنا ننسى أهميته، فاللحوم بها عشرة أحماض أمينية أساسية، ولكن بشرط ألا تزيد عن حاجة جسم الطفل إليها.
كما لا بد من التشديد على ضرورة ابتعاد أطفالنا عن الأطعمة المحتوية على الألوان غير الطبيعية، وكذلك مكسبات الطعم والرائحة، لأنها تؤثر على فسيولوجية جسم الطفل وتتسبب في خلل وظيفي بأجهزته ودماغه، فيكون طوال الوقت حاد المزاج ومضطرب فكريًا وغير مستقر، لأننا ببساطة جعلنا “ماكينة” جسمه غير منضبطة.. تمامًا كما يحدث للسيارة عندما يغش البعض البنزين بالماء.. هكذا نجد أن “بنبونة” واحدة تحتوي على مكسبات طعم ورائحة، قد أدت إلى هذا الخلل.
ويخطئ البعض حين يظن أن وجبة الطفل التي تؤثر على سلوكه هي وجبة الإفطار فقط، وإنما محصلة السلوك تكون بكل ما يتناوله الطفل على مدار اليوم في الوجبات الثلاث، لذا لا بد من النظر إليها في إطار عام.. فإفطار الطفل يمكن أن يكون بيضة مسلوقة، ونصف رغيف من الخبز الأسمر المحتوي على الردة، لأن الألياف التي تحتوي عليها تساعد على الهضم، وفي نفس الوقت تحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات (ب1، ب2) اللازمة لحيوية الجلد والشعر. وتلك الوجبة في حد ذاتها غنية وكافية، فالبيضة تحتوي 80 من السعرات الحرارية، وكمية دهون وبروتينات، ويا حبذا لو تناول الطفل كوبًا من الشاي باللبن محلى بملعقتين من السكر، فتكتمل الوجبة المفيدة تمامًا.
ووجبة الإفطار هامة وأساسية ولا بد من الاهتمام بها والتأكد من أن الطفل قد تناولها فعلاً، لأنها مسؤولة عن توفير كمية الطاقة اللازمة للمخ لاستقبال المعلومات وتنشيط ذكائه، وإلا كان الطفل خاملاً، بليدًا ذهنيًا، يميل للنوم على مقعده الدراسي، طوال الوقت، والعكس صحيح، إذ إن حشو بطن الطفل بأصناف كثيرة من الطعام في وجبة الإفطار وفي حقيبة المدرسة تجعله ينام أيضًا، لأن الدم اللازم لعمليات المخ ونشاطاته يوجه لعملية الهضم المكثفة والمعقدة بالمعدة، ويحرم المخ منها.
أما وجبة الغداء فلا بد أن تكون متوازنة وتحتوي على العناصر الغذائية الكافية من بروتين وخضر وبقول وفيتامينات. وكما قلنا، فإن البروتينات مصادرها متعددة، ولا بد أن تستريح المعدة يومين في الأسبوع، يمكن فيها تناول البقوليات، أو الزبادي، أو الأسماك.
ووجبة العشاء يجب أن تشبه وجبة الإفطار تقريبًا، ويفضل أن تكون خفيفة، مع ضرورة أن يدخل الأطفال حجرات نومهم في وقت مبكر لأن النوم الجيد الهادئ لا يقل أهمية عن الغذاء في تنمية الذكاء.
وبشكل عام لا بد أن نهتم بمجموعة أشياء في وجبات الطفل الثلاث:
الفيتامينات: خاصة فيتامين (أ)، (ج)، لأنهما المسؤولان عن تكوين الكولاجين الذي يسمونه المادة “الأسمنتية” التي تقوم بتربيط هيكل الجسم وتكوينه، فقد وجد العلماء أن الكولاجين يمثل 23% من وزن الجسيم و85% من جملة البروتينات الموجودة بالجسم.
المواد الكربوهيدراتية: هي أساسية وضرورية، فالطعام الذي نتناوله يحتوي على 55% من المواد الكربوهيدراتية (سكر – خبز – معكرونة – أرز) و30% مواد دهنية (زيت – سمن –دسم شكولاته) و15% بروتين.. والكربوهيدرات هي المصدر الرئيس اللازم لطاقة الطفل وتنشيط مخه، ولكن لو زادت عن الحد تبدأ تلك الطاقة الزائدة في التحول إلى دهون، فيسمن الطفل وتقل حركته ويصبح تفكيره بطيئًا.
فيتامين (ج): هام جدًا للأطفال خاصة في فصل الشتاء لوقاية من نزلات البرد وهو موجود في الموالح، والفلفل الأخضر، والطماطم، وغيرها.
إن نقص بعض عناصر الغذاء من وجبات الطفل هو الذي يؤدي إلى وجود تلميذ ذكي وآخر غبي، فمثلاً نقص الحديد يجعل التلميذ ضعيف الاستيعاب وخاملاً، يميل للغباء، والحديد موجود في اللحم الأحمر والخضراوات والعسل الأسود، ويساعد تناول الطفل لليمون والبرتقال على امتصاص الجسيم لملح الحديد بسهولة، لذلك يحب التلميذ حصة الحساب والرياضيات لأن ذهنه يقظ ومتنبه طوال الوقت والعكس صحيح تمامًا.
كما أن نقص فيتامين (ب) المركب له آثاره الضارة على الجهاز العصبي، ويؤدي إلى وجود مشاكل في الجهاز العصبي الذي يؤثر مباشرة على المخ، كما يؤدى إلى حدوث آلام حادة بالأطراف والأصابع، فيكره التلميذ حصة الإملاء والخط، لأنهما تحتاجان إلى مجهود كبير بالأصابع لتحسين الخط، بينما أصابعه وأطرافه متعبة جدًا وتؤلمه ألمًا شديدًا إذا ضغط عليه، مما يشكل بالتالي عبئًا عكسيًا على كفاءة المخ والذكاء فلا يكونان على الوجه الأمثل لأداء عملهما الطبيعي.
ولأن مع الدراسة تأتي دائمًا مشاعر القلق وتزحف مشاعر التوتر، ويصبح الطالب أو التلميذ حائرًا بين رغبته في النوم وخوفه من إهمال دروسه، فالخبراء لهم رأي جدير بالاهتمام في التخلص من تلك المشاعر الضارة، فيقولون: إنه بالأعشاب تنتهي متاعب القلق والأرق والسهر والتوتر، وأن فنجان واحد من القهوة يكفي لتنشيط الذهن، وأن التدخين ممنوع، والأكل يكون بالفيتامينات، وعلى الأم قبل أن تقول لطفلها “ذاكر يا شاطر” عليها أن تراجع قائمة طعامه، وأن تنظم مواعيده مع الأكل والمذاكرة والراحة، وفي المساء تقدم له فنجانًا من الزعرور.
وينصح الخبراء دائمًا بمراجعة الدروس في الصباح الباكر وفي نهاية الظهيرة، وفي الساعات الأولى من المساء، لأن هذه الأوقات مناسبة تمامًا، ويستطيع خلالها العقل استيعاب القدر الأكبر من المعلومات.. وبعد تناول الغداء، يفضل السير لمدة ساعة حرصًا على إمداد الجسم بالمزيد من الأوكسجين النقي مع الحرص على تحديد موعد ثابت لتناول الوجبات والنوم مبكرًا.
وإذا كان الجسم يحتاج إلى عدد أكبر من ساعات النوم حتى يتمكن من مواصلة المجهود، فيفضل أن ينام التلميذ قليلاً بعد الظهر مع ضرورة عدم نسيان أهمية الغذاء الصحي الذي يلعب دورًا مهمًا في زيادة نسبة الذكاء والتركيز، ويجب اختيار الأطعمة الغنية بالفيتامينات والأحماض الأمينية والحبوب والفواكه الجافة أو الطازجة والخضراوات الطازجة مع الإكثار من تناول الأسماك والبيض والصويا.. ولتنشيط المخ والذاكرة يمكن تناول أطعمة تحتوي على الفوسفور مثل اللبن والجبن والبندق واللوز والشيكولاته، لأنها غنية بالمغنيسيوم والفوسفور.
أ. د. نبيل سليم