إن شرب الحليب من الأبقار المنتجة بطريقة الهندسة الوراثية الحديثة، لم يثبت فيه حتى الآن خطورة غذائية حقيقية. هذا رأي لجنة من الخبراء كلفتها إدارة الغذاء والأدوية الأمريكية (FDA) للنظر في الأمر. لجنة الخبراء هذه متخصصة في بحث آخر التطورات في التقنية الحيوية المزرعية، وتتبع مجلس الأبحاث الوطني الأمريكي (National Reseach Council).
هذا وخرجت اللجنة، بعد فحص الأدلة المخبرية والنتائج المنشورة في الأبحاث، بتقرير مفصل يحدد مكامن الخطورة المحتملة في منتجات التقنية الحيوية المستعملة في إنتاج الحيوانات ومشتقاتها. ونورد فيما يلي أهم ما ورد في تقريرهم المنشور على العنوان التالي: (www.nap.edu/books)
إن التطور السريع في علم الأحياء منذ وقت تحديد تركيبة المادة الوراثية عجلت من تطوير التقنيات والأساليب البحثية. هذه بدورها أدت إلى تحسين عملية إنتاج الغذاء عمومًا. هذا ومن المتوقع أن يستمر هذا التطور التقني الحيوية في المستقبل. إلا أن فوائد التقنية المتقدمة نادرًا ما تأتي دون أن يصاحبها المضار.
مخاوف عامة تتعلق بالغذاء المطور وراثيًا
* الخوف من أن يحدث خطأ فادح عند استعمال أي من هذه التقنيات؟ على سبيل مثال هل بإمكان جزء من المادة الوراثية التي تم تركيبها في كائن معين، أن تدخل في المادة الوراثية لكائن آخر فتكون مصدرًا محتملاً من الخطورة؟
* الخوف من أن الأغذية المطورة بهذه الوسائل التقنية، سواء كان ذلك في إنتاج الحيوانات المستنسخة أو في إنتاج الغذاء، من أن تكون مختلفة بأي شكل من الأشكال عن قريناتها المنتجة باستعمال الوسائل التقليدية.
* الخوف من أن تعرض هذه التقنيات الحديثة الحيوات نفسها إلى خطورة لا تتوافق مع حق هذه الحيوانات في الرعاية الصحية والحماية.
مخاوف محددة حول أمان الغذاء المنتج بالتقنيات الحيوية الحديثة
ومن الأنواع الحيوانية التي شملتها المراجعة: الأبقار اللاحمة وأبقار الحليب والخراف والمواعز والدجاج والبيض والأرانب، ومقدار واسع من أنواع الأسماك ذوات الزعانف والأسماك الصدفية.
1- حيوانات لا تؤكل.. خطر محتمل
بالنسبة للحيوانات التي تم تعديلها وراثيًا (بإضافة مورثة إليها) لتنتج مركبات جديدة مثل الأدوية، أي أنها لا تستعمل هي نفسها كطعام ولكن لإنتاج هذا المركب فقط، فقد تكون المخاطر المحتملة منها أكبر من تلك الحيوانات التي تستعمل كطعام فقط. الخوف هو من هذه المركبات الجديدة التي تنتجها. فقد تربي المعامل مثلاً إناثًا معدلة وراثيًا تنتج مركبات غير طعامية في حليبها أو في بيضها. هذا كله ليس منه خطر ما دام لا يستعمل حليبها أو لا تؤكل، ولكن ماذا لو أن الذكور المنتجة بهذه الطريقة أو الإناث غير المستعملة وجدت طريقها (خطأ) إلى السلسلة الغذائية العامة؟ لا ندري ما قد يحدث (ولكن إلى الآن لم يثبت شيء).
2– حيوانات تؤكل.. خطر أقل احتمالاً
بالنسبة للحيوانات التي تم تعديلها وراثيًا وتستعمل طعامًا فإن منها خطر وإن كان أقل من الخطر المذكور أعلاه. فهناك نسبة صغيرة من البروتينات الموجودة في طعامنا يمكنها أن تمارس تأثيرًا على الجسم أبعد من مجرد توفير عناصر غذائية له. من هذه التأثيرات: الحساسية والتفاعل الحيوي مع مكونات الجسم والسمية. وقد تحمل الحيوانات المعدلة وراثيًا التي تستعمل كطعام، جينات تنتج أنواعًا جديدة من البروتينات. من هنا، فإن هناك خطرًا محتملاً (لم يثبت) من تأثير هذه البروتينات الجديدة إذا استهلك الإنسان هذه الحيوانات خصوصًا تأثيرها المناعي (الحساسية).
3– حالة خاصة
وماذا عن الحيوانات المعدلة وراثيًا وتحمل في مادتها الوراثية جينات جديدة تكسبها مثلاً وقاية من مرض معين أو تعطيها قدرًا أكبر من النمو؟ فإن هناك خطرًا محتملاً (لم يثبت بالطبع) من حدوث ما لا يحمد عقباه ولكنه أقل احتمالاً من السابقين. والخوف هنا هو من أن تحتفظ هذه الجينات بخصائصها حتى بعد أن تدخل جسم الإنسان إذا تناول هذه الحيوانات. لا ندري ما قد يحدث والأمر بالطبع يعتمد على نوعية المورثات الجديدة التي تحملها هذه الحيوانات.
4– ماذا عن “دوللي” وشبيهاتها؟
بدأت تقنيات الاستنساخ في ماشية الحليب في الثمانينيات. ورغم أنها لم تدخل حيز الإنتاج بشكل واسع النطاق، فإن هناك أكثر من 1400 بقرة مستنسخة في العالم حسب أرقام اتحاد هولشتاين (Holstein Association). مع العلم أن الصين أثارت ضجة نهاية عام 2015 بإعلانها بناء مصنع لاستنساخ حيوانات مختلفة. ووعدت بإنتاج مئة ألف جنين بقرة خلال السنة الأولى ومليون سنويًا بعد فترة.. هذا ورغم أنه لم تجر حتى الآن دراسات مكثفة على طبيعة الحليب واللحم اللذين تحملهما هذه الحيوانات، فقد دخلت اللحوم والحليب لهذه الحيوانات السلسلة الغذائية العامة. ولم ترد حتى الآن ما يثبت تأثيرات ضارة. وقياسًا على المتوفر من المعلومات فإن الخطورة المحتملة من تناول حيوانات أنتجت بطريقة تقسيم الجنين (Embryo splitting) أو نقل النواة (بقرة دولي) متدنية.
تلخيصًا
ترى اللجنة أنه من الصعب التفصيل في التحذيرات المذكورة أعلاه في ظل غياب مزيد من الأبحاث والمعلومات المخبرية. وتؤكد على أن ما قالت به هو من باب التحذير فقط، وأنه لم يحدث منها شيء حتى الآن. ولكن ما دام أننا نتكلم عن غذائنا فإنه الحذر واجب، ومن الحكمة ألا نغفل مكامن الخطر المحتملة.