الصحة والغذاء

يا سُكَّر!!

لم يعد بياض السكر هو المادة السحرية المناسبة، أو النغمة المفيدة، أو تلك اللذة الغامرة التي ظل الناس يتمنون تذوقها, بل ظل الشعراء إلى وقت قريب يتغنون بفتنتها على نحو: «رقيقها يا طعم سكر» و«يا سكر ذايب» وما إلى تلك الصور من الإطراء الفائق، الذي يشير بثقة ملتبسة إلى أنه يتمنى قضم الحبيب مثل الحلوى، أو يتلذذ مفتونًا بتذوقه مثل السكر.

أما اليوم فالأحوال تبدلت والأمور تغيرت حتى وإن جلس الفنان الشعبي أو وقف يغني منذ الصباح  إلى المساء، فلن تجدي استمالته لمن يحب باسم السكر، والحلوى، والجمال المتخيل لعذوبة المذاق، فالنمط الذي ساد عن مادة السكر ظل يؤصل لندرته في بدايات خروجه إلى الناس مطلع القرن الماضي كمنتج استهلاكي، حيث ظل أثيرًا لدى الباعة، وآسرًا لألباب الناس في عرض تلك الأسواق الغاصة بأنواع نادرة قد تأتي من بلاد بعيدة. 

السكر لم يعد رمزًا للحلاوة والجمال والرقة والنعومة إنما بات رمزًا للأمراض، وصار مخيفًا في هذا  العصر حتى أضحى «السكري» يمثل واقع المرض المخيف، والكابوس المزعج لشريحة كبيرة من الناس، حتى إن أحدهم في مناسبة كان يرجو مضيفه أن يقدم له الشاي بلا سكر، وان يكون الطعام معدًا بلا أي عناصر حلوى.  

أحد المبدعين الشباب تردد كثيرًا حينما هم بنشر ديوانه الأول «أنفاس السكر»، فقد حذره بعض أصدقائه من مغبة التعلق بخيال السكر، وطعم الحلوى، لأن سيرة السكر باتت مخيفة هذه الأيام، وقد يحجم المحتجبون عن تناوله، وأهل الحمية من تناول مادة هذا الديوان خوفًا من السكر ومنغصاته التي باتت شبحًا مخيفًا للجميع.

الشاعر ركب رأسه كما تقول «العرب العاربة» ووسم ديوانه بأنفاس السكر، بل وطبعه وكأنه يصف أنفاس السكر المرضي .. ذلك الذي يفح فحيحًا من شدة المعاناة، فكيف به أن يستحضر روعة أنفاس السكر، وعذوبته التي لم تعد مرغوبة الآن بيننا في هذا العصر المتقلب المزاج والأحوال.

فالخوف أن يتحول السكر إلى داء أشد فتكًا لنحاربه بضراوة، ونتغنى بالقضاء عليه في تالي أيامنا، بعد أن كنا لعهود خلت ولشدة ما نتمناه بتنا نصور من نحب بأنه قطعة من السكر.

عبدالحفيظ الشمري

 كاتب وروائي سعودي

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم