الصحة والغذاء

هل الرجل فعلاً سبب تعاسة المرأة؟

كثيرًا ما أسمع من عميلاتي ومن غيرهن من النساء عبارات مثل: «زوجي حطمني».. «أنا كنت مميزة لكن زوجي دمرني»… «زوجي أفقدني ثقتي بنفسي»… أو «زوجي لا يشعرني بقيمتي أو بأنوثتي وبأهميتي أو بمكانتي»، فهل صحيح أن الرجل أو بالأخص الزوج يستطيع فعل كل ذلك، هل فعلاً علاقة زوجية غير متكافئة أو سعيدة أو مشبعة يمكن أن تدمرنا كلية وتجعلنا بقايا إنسان، أم أننا نعوّل على الرجل وعلاقتنا به كثيرًا؟


أنا أستطيع تخيل ردود أفعالكن وتعابير وجوهكن وأنتن تقرأن هذا المقال، فلا تعتقدن أنني هنا أدافع عن الرجل، بل أنا أساعدكن على تحمل مسؤولية نوعية علاقتكن ومشاعركن، والذي جاء كردة فعل للعبارات التي أسمعها أو أقرؤها على مقالاتي.. حيث إنني في كل مرة أبدأ بتدريب المرأة المتشكية على مبادئ السعادة والرضا، وكيف تستطيع أن تتحكم بمشاعرها ترد علي: «لكن زوجي رجل لا يطاق، أو زوجي سيئ الخلق أو زوجي لا يساعدني».
فهل فعلاً الزوج أو أي إنسان آخر يستطيع أن يملي علينا مشاعرنا، وكيف نعيش مع ذواتنا، أو الأهم كيف نشعر تجاهها؟


روزفلت يقول: «لا أحد يمكنه أن يشعرك بالدونية بدون موافقتك على ذلك».. وهذه مقولة صحيحة مائة بالمائة، نعم لن يستطيع أحد مهما كانت أخلاقه سيئة، ومهما كانت طباعه شرسة من أن يشعرك بأنك لا شيء من دون موافقتك على ذلك، من دون أن تكون هناك الأرض الخصبة لزرع تلك الأفكار الخبيثة بداخلك.


ابن تيمية كان يردد: «ماذا يفعل أعدائي بي؟ فسجني خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة»!
هذا أوضح مثال على تحكم الإنسان في مشاعره وفي طريقة نظره للأمور وتفسيره لها بغض النظر عن الظروف التي يعيشها، لأن ما يؤلمنا ليس ما يحدث لنا لكن تفسيرنا لما يحدث لنا.
فكل واحدة منكن تبدأ بمراجعة المواقف المؤلمة التي حدثت لها مع زوجها لتلاحظ أن ما آلمها، ليس ما حدث لكن تفسيرها لما حدث: «هو ينهرني لأنه مل مني أو يحب يقهرني». وهكذا.
أنا لا أنكر حقيقة أن هناك الكثير من النساء تتحطم وتنهار شخصيتها بعد الزواج برجل سيئ أو مهمل أو ناقد، لكن هذا ليس بسببه فقط لكن بسبب أن هذه المرأة دخلت لهذا الزواج بشخصية هشة ضعيفة قابلة للكسر.
فمن أهم الشروط لتتمتع بعلاقة عاطفية صحيحة وصحية مع شخص آخر أن يكون لديك استقلالية ذاتية، وأن تؤمن بأنها حق للطرف الآخر.

فنحن نبرمج من الصغر بأنه لا قيمة لك بدون زوج وزواج، وأن قيمتك تنبع من مدى قيمتك لدى زوجك. كما أننا لم نتربَّ على حب الذات ذلك المصدر الذي يجلب حب الآخرين لنا.. فأنت لا تستطيعين أن تعطي الحب للآخرين وأنت لا تحبين نفسك أولاً…

يجب أن تكوني محبة لذاتك، أن تحبي عقلك، وتفكيرك، وحياتك، وجسدك.

هنا فقط تستطيعين أن تكوني شخصًا محبًا يشع منه شعور الحب ليغطي كل من حوله.

لكن أن كنتِ عاجزة عن حب نفسك، وغير مقتنعة بها فكيف ستقنعين زوجك أن يحبها؟

فأنت النموذج الذي يتعلم منه الآخرون كيف يجب أن يعاملوك. فاحترام الآخرين لنا ينبع أولاً وأخيرًا من احترامنا لأنفسنا، ومعاملة زوجك لك هي رد فعل طبيعي غالبًا لما تعاملين به نفسك.
فإن كنت تسيئين معاملتها فلا تتوقعي أن يحسن هو معاملتك…

إذا كنتِ تبذلين جهدك في البحث عن شخص يمنحك الحب بدلاً من محاولة أن تمنحي الحب لذاتك، فستكونين كالحاوية المثقوبة التي لن تمتلئ أبداً مهما حاولت، فمهما وضع بك سيتسرب من الجهة الأخرى ويتلاشى وجوده بعد فترة.

 وهذا ما يحدث عندما تتزوج المرأة التي تفتقد حب الذات، فتجدينها تلهث وراء زوجها تتوسل حبه، عاطفته، إعجابه لتشعر بقيمتها، بأنوثتها، باكتمالها.

 لكنه يشعر أنه مهما فعل لا يكفي، فهي لا تكف عن البحث وتوسل المزيد والمزيد من الحب والتأكيد والأهمية لدى زوجها، على الرغم من أن الدراسات تؤكد أن الرجل مسؤول عن إشباع 12% من احتياجاتنا العاطفية والبقية (88%) هي مسؤوليتنا نحن فقط…

لهذا توقفي عن توجيه أصابع الاتهام لزوجك على كل سلبية صغيرة وكبيرة تحدث بحياتك، وتحلي بالشجاعة لتتحملي مسؤولية علاقتك بذاتك وكيفية شعورك نحوها، فهذه لا دخل ولا تأثير مباشر لأي إنسان به.

نورة الصفيري – اختصاصية نفسية واستشارية أسرية

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم