الصحة والغذاء

نكهة «زنود الست»

طبيعي جدًا أن تشتهي قطعة كنافة بالقشطة، أي محشوة بالقشطة، وليست كنافة بنكهة القشطة، وأكثر طبيعية من هذا أن تجدها أو تصنعها لك أم البنين أو المفوضة السامية لمطبخكم العامر.

تخيل العكس، أي أنك أثناء تجوالك في (السوبرماركت) تدفع العربة التي كانت قبل أشهر تمتلئ بالغذاء بمائتي ريال، واليوم أضحت خفيفة جدًا، أقول تخيل أثناء مرورك على جناح المعلبات وجدت نوعًا جديدًا من القشطة مكتوبًا عليه «قشطة بنكهة الكنافة»، لأول وهلة ستفرح إذا كنت من عشاق الكنافة، لكن قبل أن تكتمل فرحتك تفكر، كيف تم اختراع النكهة أي الطعم والرائحة دون وجود الكنافة أصلاً؟

بطاطس بنكهة البيتزا، وجبن بنكهة المشوي، وإندومي بنكهة الكبسة، وكثير من الأشياء بكثير من النكهات ولا عزاء للطبيعة.

أتخيل أن في بعض مصانع الأغذية خبراء نكهات في معمل كيميائي مثل خبراء العطور في شركات التجميل، يجتمعون بمدير الابتكار لديهم فيتفتق ذهنه عن نكهة جديدة، ويشعل المنافسة بين الكيميائيين العاملين لديه، ويكون الفائز هو الذي يصل إلى مقاربة النكهة بأقل قدر من التكاليف.

بالطبع أتمنى أن يكون خيالي مجرد خيال، وأن من يقدمون لنا البطاطس أو الجبن بنكهة المشوي يأخذون إنتاجهم إلى المطاعم اللبنانية والتركية ليمرروها على أدخنة الشواء فتكتسب النكهة، وهنا أيضًا تظهر لنا مشكلة التلوث بأكاسيد الكربون المختلفة خاصة إذا كان المطعم من المطاعم التي تستخدم خشب مخلفات المباني للشواء أو أسوأ أنواع الفحم تقليصًا للتكاليف.

عشنا زمنًا طويلاً لا نعرف سوى نكهات الفانيلا والليمون والمانجو والبرتقال، واليوم أضحت أي نكهة متاحة ولأي منتج مما يفسر جليًا انتشار الأمراض، وخمول الأجسام، وضعف الهمة، والبعد شيئًا فشيئًا عن الطعام والاقتراب من التهام مجموعة من المركبات الكيميائية مخلوط بها قليل من الجبن أو البطاطس أو غيرها.

وإذا حدث واستطعت الجلوس إلى صاحب مصنع أو تاجر غذاء أو مستورد له وناقشته في الموضوع يقول لك بكل بساطة إنه الطلب أو المنافسة أو حتى رغبات الناس التي باتت تأكل بمزاجها لا بجوعها من جهة، وباتت نسبة عدم الاكتراث أعلى كثيرًا من نسبة الاهتمام، خصوصًا عند الآباء والأمهات المؤتمنين على غذاء أطفالهم والذين يقع بعضهم في مأزق التيار السائد ورغبات الأطفال الذين لا يقتنعون أن هذه الأشياء مضرة طالما أن الناس تأكلها ولم يصابوا بأي شيء.

إذًا والحالة هذه، فلا داعي لمحلات الحلويات التي زادت نسب السمنة، وفي مرحلة لاحقة لا داعي لمطاعم المثلوثة والمندي والبخاري، إذ يكفي إضفاء نكهات هذه الأطعمة والحلويات على غذائنا للاستغناء عنها ولو من الناحية النفسية لنجد أمامنا غدًا قشطة بنكهة البسبوسة للعرسان، وجبنًا بنكهة المندي، وبطاطس بنكهة «زنود الست» والقائمة تطول واحتفظ ببقيتها لبيعها على المصانع التي تزمع الدخول في المنافسة على مسخ أطعمتنا.

محمد اليامي

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم