الصحة والغذاء

لماذا الحسرة على طعام أيام زمان؟

كثيرًا ما يدور في مجالسنا أحاديث عن اختلاف مذاق الطعام عن ذاك المذاق في الماضي، ويتساءل الحاضرون باستغراب عن سبب هذا الاختلاف.

فهناك من يرى أن الأمر يدخل فيه عدة عوامل منها ما جرى من تعديلات وراثية على المنتجات الزراعية، وحدث ولا حرج عن تأثير الكيماويات، فضلاً عن تغير نمط الحياة بالنسبة للإنسان, وهناك من يجزم أن الاختلاف في الغذاء نفسه, ويرى آخرون أن تداخل الحضارات وكثرة الهجرة التي ينتج عنها نقل الوجبات الغذائية وطرق إعدادها هو السبب في اختلاف نوع الطعام والمذاق بشكل عام, والعلاقة المشتركة بين المشاركين هي تأكيد اختلاف المذاق عن الماضي.

لماذا أختلف المذاق الآن عن أيام زمان؟

هذه السؤال دارج في مجالس السعوديين خصوصًا بين من عاصر الجيل السابق وهذا الجيل لملامستهم تغير مذاق الطعام ولمعاصرتهم لأنواع الطعام الماضية والحالية، لذا هم الأقرب إلى معرفة دهاليز ذائقة السعوديين.

وهناك من الشباب على العكس تمامًا, ينتقد مذاق الأكلات الشعبية التي تمثل الطعام المقدم في العقود الماضية، وبعضهم يعتبره طعامًا بدون ذوق وغير لذيذ الطعم.

وقد قامت «عالم الغذاء» بأخذ آراء مختلفة لعدد من السعوديين عن سبب تغير ذوق الطعام ونوعيته.

يقول (علي غرمان)، وهو يعتبر من المعاصرين للجيل الحالي والجيل السابق: كما تأثر مذاق الطعام ونوعيته في العالم بشكل عام فإن مذاق الطعام تأثر بشكل كبير في السعودية لوجود أسباب عدة في رأيي، ويدعم تلك الأسباب الطفرة التي تمر بها السعودية, لذا اختلفت أنواع الطعام عن الماضي، كما اختلف مذاق الطعام عن ذاك الذي كان يطبخ بنار الحطب والفحم. فالطعام في السابق طبيعي لم تؤثر فيه الكيماويات أو التعديلات الوراثية, وكان الناس في السابق يعتنون بإعداد الطعام وتقديمه طازجًا أولاً بأول دون أن يتم تثليجه أو تبريده ودون إضافة النكهات والألوان الصناعية أو غيرها من المضافات الحديثة التي لوجودها عوامل رئيسية في تغير مذاق الطعام. أما في الوقت الحاضر فكثرة الأطعمة وكثرة طرق التصنيع غيرت المذاق, كما أن زيادة الهجرة من القرية إلى المدينة وزيادة الهجرة إلى السعودية أثرت في تشكيل ذائقة السعوديين.

أما الشيخ (قاسم بابور) من مكة المكرمة فيقول: لم تختلف طريقة الطبخ في الحاضر عن الماضي كثيرًا ولكن الوسائل التي يعد بواسطتها الطعام اختلفت وكذلك المواد الغذائية من حيث طعمها وأرومتها.

ففي السابق كانت الأم تطبخ نوعًا أو أكثر من الطعام يوميًا, بادئة عملية الطبخ في ساعة مبكرة من النهار، وكان الطعام يطبخ على نار هادئة (الفحم مثلًا) ويكون جاهزًا للأكل مع عودة الأب والأولاد إلى المنزل، وبهذه الطريقة من الطبخ تكون محتويات الطبخة تداخلت بعضها في بعض ببطء مما يضفي على الطبخة نكهة ومذاقًا خاصًا, أي (تسبكت الطبخة). وعلى العكس من ذلك نرى طرق الإعداد الحالية بواسطة الميكروويف وخلافه لا تضفي أي نكهة للطعام، حتى إن معدات المطبخ القديمة كانت تعطي مذاقًا خاصًا لكل نوع من الأكلات، أما في الوقت الحاضر فقد دخلت عناصر جديدة مثل التيفال والميلامين والمعادن الأخرى الضارة بالصحة التي تعطي للأكل مذاقًا مغايرًا لما هو عليه.

ومن ناحية أخرى نرى المنتجات الزراعية في هذه الأيام تغيرت عما كانت عليه قبل خمسين وستين سنة، فلا الخيار خيارًا ولا الطماطم طماطم ولا البقدونس بقدونسًا ولا النعناع نعناعًا ولا اللحم لحمًا، لأن كثيرًا من المواد الغذائية فقدت أرومتها ونكهتها وليس خافيًا ما لهاتين الميزتين من إطلاق للشهية وتسييل للعاب وبالتالي الاستمتاع بتناول الطعام.

 وإن كان من أسباب في هذا التبدل في خواص المواد الغذائية فأولها الأسمدة الكيماوية ثم التلوث البيئي والري بمياه ملوثة (مياه المجاري).

ومن محافظة النماص التابعة لمنطقة عسير يقول الشيخ (حسن بن درويش) إنه لا يحب مذاق الأطعمة الجديدة خصوصًا المعلبة منها لأنها تحوي مذاقًا لا يشبه مذاق الأطعمة التي تقدم في السابق.

وذكر أنه لا يأكل إلا الطعام المفيد وخص الأكل الشعبي بذلك مثل العصيدة والخبز البلدي والعريكة والمعصوب وغيرها من الوجبات الشعبية ذات الطعم الجيد والفائدة التي يدخل في تكوينها السمن البري والعسل والبر، أما طعام هذا الزمان فلا يعجبه خصوصًا ما يسمى بالزبادي والروب فهو شبيه بقذف الرضع (استفراغ الرضع) حسب تعبيره, ويكره أن يصنع السمن من زبدة البقر ويفضل عليها الطرق التقليدية في نزع الزبدة من حليب الأغنام ويقول إنها أطعم (أذوق).

وعلى العكس تمامًا يقول الشاب (إسماعيل علي) من الرياض, إن مذاق الطعام تحسن كثيرًا عن الماضي فالطعام في السابق بدون مذاق, وكان يتحكم فيه عنصرين فقط هما الملح أو السكر, بينما المذاق في الوقت الحالي يتحكم فيه كم هائل من عناصر تغير الطعم ومهمة في استساغة الطعام مثل البهارات والإضافات الحديثة للأغذية لولاها لما حصلنا على وجبات فائقة المذاق ولما حصلنا على خلطات سرية في المطاعم التي تتميز بعضها عن بعض في طريقة الطبخ وكميات ونوعيات المضافات المحسنة لمذاق الطعام.

ويضيف: لا أحب الوجبات الشعبية وقد أحرجت أكثر من مرة عندما أكون ضيفًا وتقدم لي وجبة شعبية خصوصًا المرقوق، فتعابير وجهي تغلبني في عدم الرضا عن المقدم وهو ما يحرج المضيف أيضًا.

أما العم (فايز الكلثمي) فله نظرة أخرى حددها في نقاط  :طعام وشراب الزمن الماضي كان ذا نكهة خاصة ومميزة تختلف عما نستطعمه في هذا الوقت والسبب في ذلك وحسب وجهة نظري التالي:

الأمر الأول أننا كنا نعاني في الزمن القديم  الفاقة والعوز وضيق ذات اليد، وهذا الحال استوجب اعتماد أهالي القرى على أصناف محدودة من الطعام المتوافر، وكان لهذه الفاقة تأثير على مذاق تلك الأطعمة وبقائها خالدة في ذاكرتنا وهو إحساس الجائع بالطعام.

والأمر الثاني هو نقاوة تلك الأطعمة محدودة الأصناف دون تعرض أراضي الزراعة لآفات تستدعي تلويث تلك النباتات بالمبيدات الكيماوية التي تؤثر بطريقة غير مباشرة على لحوم المواشي التي كانت تعادل ثروة قومية في بعض المناطق الرعوية.

الأمر الثالث محدودية أصناف الغذاء واقتصارها على وجبات شعبية هي في مجملها ذات قيمة غذائية عالية جدًا, كل ذلك جعل لذلك الزمان وغذائه مذاقًا لا يتكرر.

وفي الحقيقة أن الطعام أصبح فعلاً يختلف في طعمه عن السنوات الماضية ويعزى ذلك لعوامل كثيرة جدًا ومشتركة من أهمها تطور الصناعات الغذائية وتطور صناعة المضافات الغذائية والبدائل واستحداث أنواع جديدة من المضافات التي تساعد على حفظ الأغذية التي تؤثر في المذاق.

كما أن طرق الحفظ أيضًا تؤثر في المذاق، فالتبريد والتجميد والتجفيف وغيرها من طرق حفظ الطعام تؤثر في مذاق الطعام, مثل التعليب بطرقه المختلفة والمتطورة التي وصلت إلى حفظ الأغذية كالحليب في أغلفة كرتونية لمدة تصل إلى أربعة أشهر في البلدان الأكثر سخونة ويضاف إلى ذلك أن التعقيم على درجة حرارة عالية يعد سبب تغير المذاق عن الحليب الطازج.

ويبدو أن لكثرة ارتباطات الإنسان في هذا العصر السريع دورًا أيضًا في تفضيل الوجبات التي تعد سريعًا مقارنة بتلك التي يستغرق إعدادها ساعات طويلة مثل بعض الوجبات الشعبية التي يطول تجهيزها, وبالتالي تعتبر مؤثرة على مذاق الغذاء، كما أن المواد الداخلة في الطبخ تغيرت وتغير المذاق معها فما كان يصنع بالسمن أصبح يصنع بالزيوت النباتية مثل زيت النخيل، وما كان يقلى بزيت الذرة أصبح يقلى بزيت دوار الشمس، حتى طرق الطبخ اختلفت وأدوات الطبخ اختلفت فما كان يطبخ في طنجرة أصبح يطبخ في أواني الضغط، وما كان يطبخ على الحطب والفحم أصبح يطبخ على الغاز وتطور الأمر إلى الطبخ على الكهرباء.

إعداد: حسن العمري

*نشر التقرير في النسخة الورقية من مجلة عالم الغذاء 2006م

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم