الصحة والغذاء

لقمة «الفااااضي»

جريًا على عادتك السنوية، ستقضي فترة العصر خلال الأيام الأولى من الشهر الكريم وأنت تتنقل من محل حلويات إلى آخر، أو من فوال إلى مطعم، إلى مخبز «التميس» في رحلات هدفها الأساسي قتل الوقت الذي يفترض أن تقضيه في التأمل والقراءة، والسكينة مع النفس.

ولعل ألطف ما يمكن أن يحدث لك، أن تشتري ضمن «النقنقة» التي حثتك على تكوين «كوليكشن» الحلويات قليلاً من حلوى لقمة القاضي، لتكتشف عند عودتك للمنزل أنها أصلاً ضمن المائدة لأنك أيضًا وبالتواطؤ وسبق الاصرار والترصد مع حرمكم المصون اشتريتم صندوقًا كاملاً من عبوات هذا الصنف إبان معركتكم الظافرة ليلة إعلان دخول شهر الخيرات، والتي فزتم خلالها بمجموعة من صناديق التوت، أو السائل المصبوغ بالأحمر المليء بالسكر المسمى توت، والشعيرية، والكسترد، وقمر الدين، وقائمة طويلة نعرفها جميعًا، وألطف ما في لطائف الغذاء الرمضاني أن أحد الأصناف التي اشتريتها يأتي معه كعرض مجاني ثلاثة عبوات من لقمة القاضي.

يا ألطاف الله، كم حاصرك القاضي بلقمته ، يحاول جاهدًا أن يوصل لك الفكرة العريقة لهذه الأكلة أن ومن اسمها لقمة، وليست «لكمة» في خاصرة الصحة، والمال، وروحانية الشهر.

دقيق أبيض اتفق الخبراء على تفضيل التقليل منه، يقلى في الزيت، والمقليات عدوة الصحة الأولى، ثم تغمر بالشيرة كما يغمر الإخوة المصريون الفول بالزيت حتى يصيح قائلهم «غرقان لشوشته بالزيت البلدي»، أي أنك تتناول وبمكيات تجارية قنبلة غذائية في شهر يفترض أنه شهر السلام والهدنة مع جهازك الهضمي حتى يصفو جهازك الروحي، ويستقبل ويرسل الإشارات الوجدانية المفترضة في هذا الشهر.

هذا الصنف آخذه على سبيل المثال لا الحصر، وهو كما ترى تحول من لقمة القاضي إلى لقمة «الفاااااضي»، ومعه كثير من أصناف ما أنزل الله بها من سلطان، لكن تنزيلات الأسواق، وتجوالك غير المبرر وأنت جائع لتضييع الوقت، ونهم الإنسان الذي يعتقد أنه سيموت من الجوع جعلك أسيرًا لها، ويكفي أن تنظر إلى سوق أو سوبرماركت بهدوء لتعرف أن الناس تسير في الممرات وتعبئ العربات وكأنها مبرمجة، هل تعتقد بوجود غزو فضائي فكري، أو تلبس الكائنات الفضائية لهم لإتخامهم، بدلاً من محاربتهم مباشرة؟ هل تؤمن بنظرية مؤامرة بقية الكواكب على كوكبنا العامر بالحلويات.

باستنثاء الشوفان «الصدقي»، والفواكه المجففة كالتين وقمر الدين، والعصائر الطازجة فعلاً، وقائمة صغيرة صغيرة من الأصناف، فإن معظم الأرتال المتراكمة أمامك في هذه الأسواق هي سنن غذائية سيئة، سنها تاجر بقالة، أو هي تحريف لعادات غذائية عريقة في هذا الشهر من عدة بلدان عربية.

يمكنك أن تأكل لقمة القاضي، إذا كنت ستأكلها وحدها كوجبة، أما إذا كنت تعتبرها تحلية أو «مزمزة» فأنت كعادتك وعادتي ترتكب الجريمة الغذائية السنوية في شهر الغفران.

محمد اليامي

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم