الصحة والغذاء

علاج حب الشباب: الكريمات أم الغذاء؟

يشكو البعض من ظهور الحبوب والبثور على الوجه والصدر والظهر، ويتباين حجم وشكل تلك الحبوب بين صغيرة تسهل إزالتها، وأخرى مشوهة للوجه قد تدوم لفترات طويلة ما لم يتم إزالتها جراحيًا.

وعند التعرض لهذه المشكلة، يلجأ بعضهم إلى طرق خاطئة تؤدي إلى تفاقمها، ويتبع آخرون نصائح أطباء الجلد وخبراء الأعشاب باستخدام الكريمات وغسول الوجه والصابون والمطهرات وغيرها من العلاجات التي لا تحل المشكلة من جذورها.

ولذلك، يدعو بعض المختصين إلى اتباع طرق علاجية بديلة تتمثل في تغيير النظام الغذائي للتخلص من مسببات ظهور الحبوب، ويعتقدون أن هذه الطريقة هي الأكثر جدوى في حل المشكلة.

الوصية الأولى

حول علاقة هذه الأغذية بحب الشباب كتب «ميشيل تي ميرى» في جريدة «البدائل الطبيعية للعقاقير» قائلًا: «اتباع نظام غذائي غني بجميع الأغذية الطبيعية مثل الخضراوات والفاكهة وجميع أنواع الحبوب والفاصوليا، هو الوصية الأولى لعلاج حب الشباب. وفي المقابل ينصح بتجنب الأغذية التي تحتوي على أحماض دهنية غير مشبعة مثل الحليب ومنتجاته والسمن الصناعي النباتي والسمن الحيواني، وغيرها من زيوت الخضراوات المهدرجة الصناعية، إضافة إلى الأغذية المقلية».

ووفقًا لما يذكره مختصون، فإن انتشار حب الشباب يرجع إلى تناول كميات كبيرة من الأغذية المقلية، بخاصة تلك المطبوخة باستخدام أكثر الدهون والزيوت.

في هذا السياق يقول «د. ستف هويهن» مؤلف كتاب «إمكانية علاج حب الشباب»: إن جميع الدهون ليست مضرة، إلا أن بعضها تجعل متناولها أكثر عرضه للإصابة بحب الشباب ومشاكل البشرة. مشيرًا إلى أن المقوم الغذائي المشترك الموجود في الأنظمة الغذائية التي تعتمد على الزيوت الخفيفة، مثل زيوت الزيتون وزيوت السمك وزيوت الفول السوداني والخضراوات.

 ضعف تأثير الكريمات

وخلافًا للشائع، أظهرت الدراسات صعوبة علاج حب الشباب باستخدام الكريمات والصابون، لأن جذور المشكلة تقبع تحت البشرة. فوفقًا لما ذكره «د. جاري نول» في «الموسوعة الكاملة للاستشفاء الطبيعي»، فإن البثور تتكون بسبب البكتيريا وغيرها من العوامل المهيجة الموجودة تحت الغدد الدهنية للبشرة. وهي عمومًا نتيجة عدم اتباع العادات الصحية السليمة والنظام الغذائي غير الجيد، مثل تناول كميات هائلة من الأغذية المطبوخة والدهنية والمقلية، بالإضافة إلى منتجات الحليب المجفف واللحوم والسكر».

غير أن تناول الأغذية الدهنية والمقلية ليس السبب الوحيد وراء ظهور حب الشباب، حيث يؤدي شرب كميات زائدة من القهوة والمياه الغازية، لا سيما الكولا إلى ظهوره. ونظرًا لحقيقة اعتبار المراهقين أكثر مستهلكي المشروبات الغازية شراهة بشكل عام، فإن ذلك يجعل هذه الفئة العمرية هي الأكثر عرضة لمشاكل البشرة.

ولما كان ظهور حب الشباب نتيجة لزيادة إفراز الزيت تحت البشرة، يوصي «د. جاري نول» بشرب كميات كبيرة من الماء، واستبعاد الأغذية المقلية والدهون المهدرجة من النظام الغذائي، وتناول مقدار أكبر من فيتامين A والزنك، للحد من تفشي حب الشباب.

دهون ودهون

وإذا كانت جميع الآراء تذهب إلى خطورة الدهون على صحة الإنسان وتسببها في ظهور حب الشباب، فإن د. فوزي الشبكي، أستاذ علوم التغذية، يؤكد أنه ليست جميع الدهون مضرة، موضحًا أن بعضها تعتبر من المغذيات الضرورية لصحة الإنسان، لأنها تحتوي على الأحماض الدهنية التي يستخدمها الجسم في توليد الطاقة، وتدخل كمكون أساسي في جدران الخلايا وبعض المركبات البروتينية الموجودة في الدم، التي تقوم بحمل مادة الكوليسترول إلى أنسجة الجسم أو إلى الكبد.

 فضلاً عن ذلك فإن الدهون تحتوي على الفيتامينات التي تذوب فقط في الدهون مثل فيتامين «هـ» الذي يعتبر من أقوى الفيتامينات المانعة للأكسدة، وفيتامين «ك» المانع للتجلط، وفيتامين «د» المهم لتكوين العظام.

وعلى الرغم من هذه الأهمية، يوصي “الشبكي” باختيار أنواع معينة من الدهون، لاسيما النباتي منها، وتناولها بكميات محددة، واختيار الأفضل صحيًا ومعاملتها معاملة خاصة».

ووفقًا لأستاذ علوم التغذية، فإن الدهون النباتية مثل زيوت القطن، والذرة، ودوار الشمس تعتبر أفضل كثيرًا من الشحوم الحيوانية كالزبد، والسمن البلدي، لأن الأولى خالية من الكوليسترول الذي يسبب تصلب الشرايين وأمراض القلب. أما الدهون في الثانية فتسبب مشاكل صحية مثل بطء الهضم وشوائب البشرة.

وإن خطورة الدهون المسببة لحب الشباب تكمن في أنها حساسة جدًا للحرارة والأكسجين. ووفقًا للشبكي، فإنه عندما تتعرض الدهون للحرارة المرتفعة وفي جو مفتوح، فإنها تتأكسد وتتكون بها مركبات ضارة صحيًا مثل الأكاسيد، هذه المركبات تتولد عادة في الدهون عندما تخزن لفترات طويلة في أماكن غير مناسبة، كأن يترك الزيت في أماكن مفتوحة وفي عبوة شفافة للضوء والحرارة، ووجود الأكسجين من أهم العوامل التي تتسبب في تكوين المركبات الضارة في الزيت.

بناء على ذلك، يوصي أستاذ التغذية بالحرص على عدم تكرار القلي في الزيت نفسه أكثر من مرة، وأن يتم القلي في أوعية مغلقة، ومن الأفضل ألا تكون عملية القلي في أوان معدنية لأن المعادن تساعد على أكسدة الدهون وتكوين المركبات الضارة التي لا تؤدي إلى الإصابة بحب الشباب فقط، بل إنها تشكل خطورة كبيرة على الصحة عامة.

 فمثلاً، ترسب الكوليسترول على جدران الأوعية الدموية إذا زاد معدله في الدم عن الطبيعي، غير أن هذه الظاهرة تزداد بشكل ملحوظ عندما تكون الزيوت التي يتناولها الشخص مؤكسدة، لذلك فمن الأفضل كي نحمي أنفسنا من مخاطر هذه الزيوت أن نتناول مانعات الأكسدة، مثل فيتامين هـ، ج، وأن نحرص على عدم تناول الزيوت المعرضة للقلي في أماكن مفتوحة.

وهناك دلائل على أن هذه المركبات إذا تم تناولها لفترات طويلة تحدث بعض أنواع الأورام، خاصة أورام الجهاز الهضمي والكبد، وهذا يفسر انتشارها بين متناولي الأطعمة المقلية بطريقة غير صحيحة كالطعمية والباذنجان والفلفل لفترات طويلة. وينصح هنا باستخدام زيت النخيل في القلي.

وهناك دهون لديها قدرة على مقاومة عملية الأكسدة لفترات طويلة، بينما توجد زيوت أخرى لا تقاوم في مثل هذه الظروف، فمثلا زيت بذرة الكتان يحتوي على أحماض دهنية تحمي من الأورام وتصلب الشرايين وتساعد على سلامة شبكة العين.. لكن هذا الزيت على الرغم من فوائده، إلا أنه حساس جدًا للتعرض للحرارة، وتناوله يؤدي إلى مشاكل صحية عديدة، منها مشاكل البشرة.

أما الزيوت ذات الفوائد الصحية، فأهمها زيت الزيتون الذي يحتوي على أحماض دهنية تحمي من تصلب الشرايين وتقاوم حب الشباب.. وهذا يفسر انخفاض نسبة الإصابة بهذه الأمراض في دول حوض البحر المتوسط، حيث تعتمد على زيت الزيتون في طعامها.

أطعمة محسسة

وتأكيدًا أن الدهون والأغذية المقلية ليست وحدها المسبب الغذائي الوحيد لظهور حب الشباب، يوضح “الشبكي” وجود أشخاص لديهم حساسية تجاه تناول بعض الأطعمة، مثل الشكولاته والفراولة والموز، فضلاً عن الأغذية البحرية التي تقدمها المطاعم الصينية، فهذه الأطعمة تصيب ذوي الجينات الحساسة بالتهابات تأخذ شكل طفح في الجلد أو مشاكل في الجهاز الهضمي.

وعلى ذلك، يوصي أستاذ التغذية من لديهم حساسية من بعض الأطعمة بتحديد نوعيات الطعام التي تتسبب في ذلك، وعند ظهور مشاكل في البشرة أو الوجه عمومًا، يجب مراجعة النظام الغذائي الذي اتبعوه على مدار الثلاثة أيام السابقة، لأن ما يأكلونه قد يكون السبب، ومن ثم يكون الحل في تغيير نظامهم الغذائي.

ويخلص “الشبكي” إلى أن التمتع ببشرة وشعر صحيين، يتطلب الامتناع عن تناول الأغذية المقلية والدهنية غير الجيدة، وتجنب المأكولات التي تحتوي على كمية عالية من اليود، والتحول إلى نظام غذائي غني بالفاكهة والخضراوات والزيوت الصحية والحبوب.

نعم للأسماك ولا للدهون

ولما كانت العلاقة طردية بين الإصابة بحب الشباب وزيادة إنتاج الدهون في الجلد، توصي د. ليلى حسين، خبيرة التغذية، بضرورة الابتعاد عن الأطعمة كثيفة الدهون مثل اللحوم، والأغذية المقلية، والحلويات، والسمن الصناعي، حيث أثبتت الدراسات أن المتبعين لهذه الأنظمة الغذائية تقل مناعتهم بشكل كبير، وبالتالي يكونون فريسة سهلة للإصابة بحب الشباب حال حدوث زيادة في إنتاج الدهون الجلدية لديهم. في حين ذكرت الدراسات نفسها أن تجنب الأغذية المقلية والدهنية يزيد من نضارة البشرة، فضلاً عن أنها تساعد في علاج الشعر داخليًا، وجعله صحيًا في مظهره.

ونظرًا لأهمية الدهون في الجسم، تقول خبيرة التغذية إنه يمكننا الحصول على الدهون اللازمة لأجسامنا من خلال تناول الأسماك، حيث توجد بها الدهون المفيدة للجسم.

وفيما يتعلق بالأطعمة المقلية، تأتي أضرارها بسبب الزيوت المستخدمة فيها، فتكرار وجبات القلي وتعدد الأطعمة في بعض أنواع الزيوت غير الجيدة يؤدي إلى تراكمها في الجسم، ومن ثم تهديد الصحة العامة للإنسان وإصابته بأمراض جلدية بالإضافة إلى أمراض الأوعية الدموية.

وتوصى د.ليلى بتجنب استخدام زيوت محددة أثناء القلي كزيت عباد الشمس والذرة، لخطرها على الصحة العامة، لافتة إلى أن زيت الزيتون من أفضل أنواع الزيوت التي يمكن الاعتماد عليها في  القلي، إذا تم القلي لمرة واحدة فقط.

وفي هذا المجال، تؤكد د.ليلى الأثر السيئ الناتج عن تناول الشباب للوجبات السريعة والمشروبات الغازية والحلويات، غير أنها تشدد على ضرورة تناول طعام صحي لحماية الجلد، وتوصي بتناول بعض الفيتامينات التي تعرف بمقاومتها لحب الشباب مثل فيتامين «أ» الموجود في الخضراوات الخضراء مثل السبانخ، والفاصوليا، واللفت، والبقدونس والبطاطس الحلوة، الجزر،  فتناول  هذه الأغذية يحد من التهاب حب الشباب. كما أن تناول الأطعمة المحتوية على فيتامين E، يساعد على علاج حب الشباب ويمنع الأكسدة، وهذا الفيتامين موجود في بذور عباد الشمس، والقمح والزيوت النباتية.

النصيحة الأخيرة لخبيرة التغذية هي العودة إلى الطبيعة في غذائنا، حيث تؤكد أهمية اتباع النظام الغذائي لدول البحر الأبيض المتوسط، الذي يعتمد على مواد طبيعية تساعد على تحسين الصحة العامة للجسم، بما في ذلك الجلد. ويتضمن تناول الفاكهة الطازجة والخضراوات التي تكون مصدرًا لفيتامين «ج» والرخويات البحرية التي تكون مصدرًا للزنك. فكل هذه الفيتامينات تؤدي للحصول على بشرة جميلة وطبيعية.

باطنية وهرمونية

وتأكيدًا أن الكريمات والصابون لا تعالج حب الشباب، لأن جذور المشكلة تقبع تحت البشرة، فإن د. عزة فاروق، اختصاصية الأمراض الجلدية، ترجع السبب في حب الشباب إلى زيادة إفراز المواد الدهنية في الجلد، هذه المواد تسد مسام الجلد وتؤدي إلى الحب والبثور في البشرة. وتوضح أن حب الشباب لا يقتصر على المراهقين فقط أو من هم في سن البلوغ، بل يتعداهم إلى الكبار، وأسباب هذا المرض تتنوع ما بين أسباب باطنية، وأخرى هرمونية، ثم تأتي الأسباب الغذائية المتمثلة في الإكثار من الأطعمة الدهنية والأطعمة المقلية.

وتعتبر د. عزة أن الإصابة بحب الشباب أمر طبيعي ما دامت في مراحلها الأولى، وما دام المريض متبعًا الأساليب الصحيحة للعلاج، وتحذر في هذا المجال من لجوء بعض الشباب إلى حك الحب أو خلع رؤوس البثور بالأظافر، كون ذلك يشوه حالة الوجه ويؤدي إلى حدوث ندبات لفترات طويلة.

وإن النظافة الشخصية اليومية وما تتضمنه من غسل الوجه مرتين في اليوم بالصابون والماء الدافئ أمر ضروري في العلاج، غير أنه من الضروري عند الإصابة بهذا المرض مراجعة الطبيب، وعدم اليأس من العلاج حتى لو استمر لفترات طويلة، في الوقت ذاته يجب مراجعة النظام الغذائي المتبع، بحيث يبتعد تمامًا عن الأغذية التي تفرز دهونًا بكثرة تؤدي إلى انتشار حب الشباب.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم