الصحة والغذاء

سلامة الغذاء أولوية قصوى للوقاية من الأمراض

عادة ما تكون الاعتلالات المنقولة بالغذاء ذات طابع مُعدٍ أو سمي، وتتسبب فيها جراثيم أو فيروسات أو طفيليات أو مواد كيميائية تدخل جسم الإنسان عن طريق الغذاء الملوث أو الماء الملوث.

ويمكن أن تتسبب مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء في الإصابة بالإسهال الحاد أو بحالات عدوى موهنة، بما في ذلك الالتهاب السحائي. ويمكن أن يتسبب التلوث الكيميائي في الإصابة بالتسمم الحاد أو بأمراض طويلة الأمد كالسرطان. ويمكن أن تتسبب الأمراض المنقولة بالغذاء في العجز الطويل الأمد والوفاة. ومن أمثلة الأغذية غير المأمونة الأغذية الحيوانية المصدر غير المطهية جيداً، والفواكه والخضروات الملوثة بالبراز، والمحاريات النيئة المحتوية على التكسينات البيولوجية البحرية.

الجراثيم

Food quality control expert inspecting at meat specimen in the laboratory
  • السالمونيلا والعطيفة والإشريكية القولونية المعوية النزفية من أشيع مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء والتي تصيب ملايين البشر سنوياً، وتكون لها أحياناً عواقب وخيمة ومميتة. وأعراضها هي الحمى والصداع والغثيان والقيء وآلام البطن والإسهال. ومن أمثلة الأغذية ذات الصلة بفاشيات داء السلمونيلات البيض والدواجن وسائر المنتجات الحيوانية المصدر. وتنجم أساساً حالات الإصابة بجرثومة  اللبن النيء والدواجن غير المطهية بالقدر الكافي ومياه الشرب. وثمة صلة بين الإشريكية القولونية المعوية النزفية واللبن غير المبستر واللحم غير المطهي بالقدر الكافي والفواكه والخضروات الطازجة.
  • عدوى الليسترية تتسبب في الإجهاض غير المقصود للحوامل أو في وفاة الأطفال المواليد. وبالرغم من أن معدل الإصابة بالمرض منخفض نسبياً فان  العواقب الصحية المترتبة على الليسترية،   مميتة في بعض الأحيان، وخصوصاً لدى الرضع والأطفال والمسنين، وتجعلها من أخطر حالات العدوى المنقولة بالغذاء. وتوجد جرثومة الليسترية في منتجات اللبن غير المبستر وفي مختلف أنواع الأغذية الجاهزة، ويمكن ان تنمو في درجات حرارة التبريد.
  • العدوى بضمات الكوليرا (Vibrio cholera) تصيب الناس عن طريق الماء الملوث أو الغذاء الملوث. وتشمل أعراضها آلام البطن والقيء والإسهال المائي الغزير الذي قد يؤدي إلى الجفاف الشديد وربما يؤدي إلى الوفاة.  

ومن الضروري استعمال مضادات الميكروبات، مثل المضادات الحيوية، لعلاج حالات العدوى التي تتسبب فيها الجراثيم. ومع ذلك توجد صلة بين الإفراط في استعمالها، وإساءة استعمالها، في الطب البشري والطب البيطري وبين ظهور وانتشار جراثيم مقاومة، الأمر الذي يجعل العلاج من الأمراض المُعدية غير فعال في الحيوانات والبشر. وتدخل الجراثيم المقاومة السلسلة الغذائية عن طريق الحيوانات (مثل دخول السالمونيلا عن طريق الدجاج). وتُعد مقاومة مضادات الميكروبات من أهم التهديدات المحدقة بالطب الحديث.

الفيروسات

تتسم حالات العدوى بالنوروفيروس بالغثيان ونوبات القيء الشديد والإسهال المائي وآلام البطن. ويمكن أن يتسبب فيروس التهاب الكبد A في مرض الكبد الطويل الأمد، وأن ينتشر نمطياً عن طريق الأغذية البحرية النيئة أو غير المطهية بالقدر الكافي أو المنتجات النيئة الملوثة.

الطفيليات

إن بعض الطفيليات، مثل الديدان المثقوبة المنقولة بالأسماك، لا تنتقل إلا عن طريق الغذاء. والبعض الآخر، مثل المشوكة Echinococcus spp، يمكن أن يصيب البشر عن طريق الغذاء أو المخالطة المباشرة للحيوانات. وهناك طفيليات أخرى، مثل الديدان المستديرة Ascaris أو المُتَحَوِّلَةُ الحالَّةُ للأنسجة Entamoeba histolytica أو الجياردية Giardia، تدخل السلسلة الغذائية عن طريق الماء أو التربة، ويمكن أن تلوث المنتجات الطازجة.

البريونات

إن البريونات، وهي عوامل مُعدية تتألف من البروتين،   بينها صلة وبين أشكال محددة من الأمراض   العصبية. والاعتلال الدماغي الإسفنجي الشكل البقري (أو “مرض جنون البقر”) هو مرض بريوني يصيب الماشية وتوجد صلة بينه وبين مرض التناظر الدماغي الإسفنجي الذي يصيب البشر. وعلى الأرجح أن استهلاك منتجات الأبقار المحتوية على مواد تنطوي على مخاطر محددة، مثل أنسجة الدماغ، هو وسيلة انتقال العامل البريوني إلى البشر.

المواد الكيميائية

من أهم الشواغل المقلقة بالنسبة إلى الصحة التكسينات المفرزة طبيعياً والملوثات البيئية.

  • التكسينات المفرزة طبيعياً تشمل السموم الفطرية، والتكسينات البيولوجية البحرية، غليكوزيدات سيانوجين، والتكسينات المفرزة طبيعياً في الفطر (عش الغراب) السام. ويمكن أن تحتوي أغذية أساسية، مثل الذرة أو الحبوب على مستويات مرتفعة من السموم الفطرية، مثل التكسين الفطري والأوكراتكسين، ويمكن للتعرض الطويل الأمد أن يلحق الضرر بالجهاز المناعي والنمو الطبيعي، أو أن يتسبب في الإصابة بالسرطان.
  • الملوثات العضوية الثابتة هي مركبات تتراكم في البيئة وجسم الإنسان. ومن أمثلتها المعروفة الديوكسينات وثنائي الفينيل متعدد الكلور، وهي منتجات ثانوية غير مرغوب فيها تترتب على العمليات الصناعية وعلى ترميد النفايات. وهي موجودة في البيئة في جميع أنحاء العالم وتتراكم في سلاسل الأغذية الحيوانية. والديوكسينات شديدة السمية ويمكن أن تتسبب في مشاكل في الإنجاب والنمو، وأن تلحق الضرر بالجهاز المناعي، وأن تتداخل مع الهرمونات وتتسبب في الإصابة بالسرطان.
  • الفلزات الثقيلة، مثل الرصاص والكادميوم والزئبق، تتسبب في تلف الأعصاب والكلى. ويحدث أساساً التلوث بالفلزات الثقيلة في الغذاء عن طريق تلوث الهواء والماء والتربة.

السلامة الغذائية اليوم

إن إمدادات الغذاء المأمون تدعم الاقتصادات الوطنية وقطاعي التجارة والسياحة الوطنيين، وتسهم في توفير الأمن الغذائي والأمن التغذوي، وتدعم أيضاً التنمية المستدامة.

وأدى التوسع العمراني والتغيرات الطارئة على عادات المستهلك، بما في ذلك السفر، إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يشترون ويأكلون الأغذية المجهزة في الأماكن العامة. واستحثت العولمة نمو طلب المستهلك على تشكيلة أوسع من الأغذية، الأمر الذي أدى إلى زيادة السلسلة الغذائية تعقيداً وطولاً.

ومع نمو عدد سكان العالم يؤدي تكثيف وتصنيع الإنتاج الزراعي والحيواني من أجل تلبية الطلب المتزايد على الغذاء إلى إيجاد فرص وتحديات فيما يتعلق بالسلامة الغذائية. ومن المتوقع أن يؤثر تغير المناخ على السلامة الغذائية، حيث تعدل التغيرات في درجات المخاطر المتعلقة بالسلامة الغذائية والمرتبطة بإنتاج الغذاء وتخزينه وتوزيعه.

وتضع التحديات مسؤولية أكبر على منتجي الأغذية ومناوليها من أجل ضمان السلامة الغذائية. ويمكن أن تتطور الحوادث المحلية بسرعة لتصبح طوارئ دولية بفعل سرعة ونطاق توزيع المنتجات. وقد حدثت فاشيات لأمراض خطيرة منقولة بالغذاء في كل قارة خلال العقد الماضي، وغالباً ما ضخمتها التجارة المعولمة.

ومن أمثلة ذلك تلوث بدائل لبن الأم بمادة الميلامين في عام 2008 (والذي أصاب 300000 طفل وطفل صغير، مات ستة منهم، في الصين وحدها)، وفي عام 2011 حدثت فاشية الإشريكية القولونية المعوية النزفية في ألمانيا، والتي كانت بينها صلة وبين براعم نبات الحلبة، حيث أُبلغ عن حالات في 8 بلدان في أوروبا وأمريكا الشمالية، وأدت إلى 53 وفاة. وقد تسببت فاشية الإشريكية القولونية التي حدثت في ألمانيا عام 2011 في خسائر بلغت 1.3 مليار دولار أمريكي للمزارعين ودوائر الصناعة، وفي دفع مبلغ وقدره 236 مليون دولار أمريكي كمعونة طارئة إلى 22 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

السلامة الغذائية: أولوية صحية عمومية

تشكل الأغذية غير المأمونة أخطاراً صحية عالمية النطاق تتهدد كل فرد. ومن المعرضين للمخاطر بوجه خاص الرضع وصغار الأطفال والمسنون والأشخاص المصابون باعتلالات بالفعل.

ويحصد مرض الإسهال المنقول بالغذاء والماء أرواح ما يقدر عدده بمليوني شخص سنوياً معظمهم من الأطفال، وخصوصاً في البلدان النامية. وتوجد الأغذية غير المأمونة حلقة مفرغة من الإسهال وسوء التغذية، مما يهدد الحالة التغذوية لأضعف الناس. وحيثما يغيب الأمن الغذائي يجنح الناس إلى التحول نحو نظم غذائية أقل صحة، ويستهلكون المزيد من “الأغذية غير المأمونة”، والتي تشكل الأخطار الكيميائية والميكروبيولوجية، وغيرها من الأخطار الموجودة فيها، مخاطر على الصحة.

وينبغي أن تجعل الحكومات مسألة السلامة الغذائية من أولوياتها الصحية، حيث إنها تضطلع بدور محوري في وضع السياسات والأطر التنظيمية، وإنشاء وتنفيذ نظم السلامة الغذائية التي تضمن أن يعمل منتجو الأغذية وموردوها ، على امتداد السلسلة الغذائية، بصورة مسؤولة وأن يمدوا المستهلك بأغذية مأمونة.

إن الغذاء يمكن أن يتلوث في أي نقطة من نقاط عملية إنتاج الأغذية وتوزيعها، وتقع المسؤولية الرئيسية عن ذلك على عاتق منتجي الأغذية. ومع ذلك فإن نسبة كبيرة من الإصابة بالأمراض المنقولة بالغذاء تتسبب فيها أغذية تم إعدادها أو مناولتها بشكل غير سليم في المنزل أو في مؤسسات الخدمات الغذائية أو في الأسواق. وليس كل القائمين على مناولي الأغذية ولا كل مستهلكيها يدركون الأدوار التي يجب أن يقوموا بها، مثل تطبيق ممارسات النظافة الصحية عند شراء الأغذية وبيعها وتحضيرها من أجل حماية صحتهم وصحة المجتمع المحلي عموماً.

فبإمكان كل فرد أن يسهم في تحقيق السلامة الغذائية. و هنا بعض أمثلة الإجراءات الفعالة في هذا الصدد:

يمكن أن يقوم راسمو السياسات بما يلي:

  • إقامة وصون نظم وبنى تحتية غذائية ملائمة خاصة بالغذاء (مثل المختبرات) للاستجابة وإدارة المخاطر ذات الصلة المحدقة بالسلامة الغذائية على امتداد السلسلة الغذائية بأكملها، بما يشمل حالات الطوارئ؛
  • تعزيز التعاون المتعدد القطاعات بين قطاعات الصحة العمومية وصحة الحيوان والزراعة وسائر القطاعات من أجل تحسن التواصل والعمل المشترك؛
  • إدراج مسألة السلامة الغذائية ضمن السياسات والبرامج الغذائية الأعم (مثل التغذية والأمن الغذائي)؛
  • التفكير من منظور عالمي والعمل من منظور محلي لضمان أن تكون الأغذية المنتجة محلياً مأمونة دولياً.

يمكن لمناولي الأغذية ومستهلكيها :

  • معرفة الغذاء الذي يستعملونه (قراءة بطاقات التوسيم الموجودة على أغلفة الأغذية، وتحديد اختياراتهم على أساس المعلومات، والتعرف على الأخطار الغذائية الشائعة)؛
  • مناولة وإعداد الأغذية على نحو مأمون، وتطبيق وصايا منظمة الصحة العالمية    لضمان مأمونية الغذاء في المنزل او عند بيعها في المطاعم أو في الأسواق المحلية؛
  • زراعة الفواكه والخضروات حسب وصايا المنظمة الخمس بشأن زراعة فاكهة وخضر أكثر مأمونية للحد من التلوث الميكروبي.

تستهدف منظمة الصحة  تيسير العمل العالمي على الوقاية من الأخطار التي تتهدد الصحة العمومية والمتصلة بالأغذية غير المأمونة وكشف هذه الأخطار والاستجابة لها. ومن النتائج التي تعمل المنظمة على تحقيقها ضمان ثقة المستهلك في السلطات المعنية وضمان الثقة في سلسلة توريد الأغذية المأمونة.

ولهذه الغاية تساعد المنظمة الدول الأعضاء على بناء قدرتها على الوقاية من المخاطر المنقولة بالغذاء وكشفها والتصدي لها.

  • توفير التقديرات العلمية المستقلة بشأن الأخطار الميكروبيولوجية والكيميائية، والتي تشكل أساس المواصفات والمبادئ التوجيهية والتوصيات الدولية للأغذية، والمعروفة باسم الدستور الغذائي، وذلك لضمان مأمونية الغذاء أياً كان مصدره.
  • تقدير مأمونية التكنولوجيات الجديدة المستخدمة في إنتاج الغذاء، مثل التعديل الجيني وتكنولوجيا النانو؛
  • المساعدة على تحسين النظم الغذائية والأطر القانونية الوطنية، وتهيئة بنى تحتية ملائمة لإدارة المخاطر المحدقة بالسلامة الغذائية. وقد قامت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بإنشاء الشبكة الدولية للسلطات المعنية بالسلامة الغذائية (إنفوسان) من أجل التبادل السريع لمعلومات أثناء الطوارئ الخاصة بالسلامة الغذائية؛
  • تعزيز مناولة الأغذية على نحو مأمون من خلال البرامج المنهجية للوقاية من الأمراض والتوعية بها، ومن خلال الرسائل والمواد التدريبية الخاصة بوصايا المنظمة الخمس لضمان مأمونية الغذاء؛
  • الدعوة إلى السلامة الغذائية كعنصر هام من عناصر الأمن الصحي، وإلى إدراج مسألة السلامة الغذائية ضمن السياسات والبرامج الغذائية الوطنية بما يتسق مع اللوائح الصحية الدولية (2005).

وتعمل منظمة الصحة العالمية عن كثب مع منظمة الأغذية والزراعة والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، وغيرهما من المنظمات الدولية، من أجل ضمان السلامة الغذائية على امتداد السلسلة الغذائية بأكملها، من الإنتاج إلى الاستهلاك

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم