الصحة والغذاء

جوع سفر لكل مغترب

وصلت نيوزلندا وبالتحديد إلى مطار أوكلاند الرائع، حيث المسطحات الخضراء التي تحيط بالمدرج والتي تشكل مراعي طبيعية للأبقار والأغنام، وحيث المطر والجو المُلبد بالغيوم. وبعد فحص دقيق لحقائبي دون غيري من المسافرين، بالطبع لأنني العربي الوحيد بينهم، وصلت صالة القادمين. وهناك وجدت عجوزًا نيوزلندية تحمل لوحة عليها اسمي، أخذتني معها إلى سيارتها الخاصة، وأنا أتحاور معها بلغة الإشارات لصعوبة لهجتها، حتى وصلت المعهد الذي يقع في حديقة إلبرت بارك الجميلة وسط أوكلاند، العاصمة التجارية لنيوزلندا، وهناك كانت موظفة الاستقبال تتحدث الإنجليزية السهلة فهمت عليها وقالت نحن متأسفون على المطر قلت في نفسي (متأسفون بلاكم ماتعرفون الغبار اللي عندنا). أخذت حقائبي وقالت لي الموظفة اجلس هناك على الكمبيوتر وأرسل لعائلتك بالإيميل وبلغهم أنك وصلت، جلست على الجهاز وتذكرت أن أبي وأمي لا يجيدون استخدام الكمبيوتر، لم يكن معي جوال حينها  لأنني جديد على البلد، فكرت في كيفية إبلاغ أبي وأمي بوصولي. تذكرت الشات وعشق السعوديين والعرب بشكل عام للثرثرة من خلاله، دخلت الشات باسم القبيلة، وإذ بأحدهم يقول لي في الشات أنت من أي فخذ، قلت أنا من اللي تبي بس تكفى أبي منك خدمة. وطبعًا لأن فينا أصالة الرجال وكرمهم قال أبشر، قلت أنا الآن توني واصل نيوزلندا ولا عندي جوال أو وسيلة اتصال، وأريدك أن تدق على هذا الرقم وتبلغ أخي أنني وصلت، قال أبشر  خلك معي، اتصل من جواله الشخصي مباشرة وبلغ أخي   عن وصولي. عدت أدراجي بجانب حقائبي حتى أتت العجوز كرستين صاحبة البيت الذي سأقيم فيه، أخذتني بسيارتها وعبرنا الجسر الذي يربط بين وسط أوكلاند إلى الجزيرة الأخرى (النورث شور) وفيه يقع حي ديفنبورت أهم وأرقى أحياء أوكلاند. وصلنا منزلها الخشبي الجميل المطل على البحر، فتحت الغرفة وقالت هذه غرفتك وستكون وجبة العشاء بعد ساعتين، كنت حينها جائعًا لأن خطوط الطيران التي نقلتني خطوط صينية وهناك يقدمون وجبات صينية لم أستسغها لذا كان الجوع والهم ملازمين لي طول الرحلة. استلقيت على سرير النوم مجهدًا ثم نمت بدون شعور، واستيقظت بعد منتصف الليل قرابة الساعة 2 ليلًا، تحسست المكان، وجدت صمتا مخيما على البيت بأكمله أحسست بالغربة  نعم بالغربة والجوع. جلست في زاوية الغرفة  ذرفت دموع غربة،  تذكرت أمي وأبي والوطن، لذا قررت العودة، لكن لاحت أمامي تلك الصعوبات التي واجهتها والتكاليف التي دفعتها،  تراجعت عن القرار، وتذكرت أن الحياة مصاعب وأن الغربة أم المتاعب وأن العلم رحلة ستنتهي بإذن الله بالخير.

وبعد أسبوع من معاناة الغربة أو ما يسمى بالصدمة الثقافية كانت صور العائلة والوطن تتكرر أمامي، لذا كثيرًا ما أعود إلى تلك الزاوية.

وبعدها بشهر تعودت المكان والناس والطعام.

اللهم صبر كل مغترب للعلم أو للعمل، اللهم كن في عونه.

حسن علي العمري

المقال نشر في النسخة الورقية لمجلة عالم الغذاء 2007م

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم