الصحة والغذاء

القرصان وثريد الخضراوات

ذكرنا في سلسة المقالات السابقة تحت عنوان: أطعمة منقرضة، أن الجزيرة العربية كانت تحظى بمجموعة من الأطعمة وأن هذه الأطعمة بدأت تضعف أو تزول لتحل بدلًا منها أطعمة أخرى، وأوضحنا أن الطفرة البترولية كان لها الأثر الأكبر فبذلك فضلًا عن اختلاط الحضارات وتداخل عادات الشعوب في الطعام ولاسيما ما فرضته الحضارات القوية على الشعوب الضعيفة من باب الاستعمار النفسي حيث تقف الشعوب الضعيفة موقف المتلقي والمقتبس، أضف إلى ذلك أن الأطعمة الوافدة سهلة وسريعة التحضير بينما الأطعمة المحلية كانت تتطلب وقتًا وجهدًا.

ومع ذلك فإن الأصالة الذاتية والتمسك بالعادات والتقاليد والشعور بالجذور الراسخة في نفوس سكان الجزيرة ظلت محافظة على الكثير من الأطعمة المحلية، صحيح أن انتشار هذه الأطعمة قد ضعف وقل لكنه لا يزال موجودًا يذكر الأبناء بما كان عليه الآباء، والإنسان دائمًا يفخر بانتمائه لأن للإنسان ثلاث مراحل: ماض يحن إليه وحاضر يفخر به ومستقبل يتشوق إليه. وهكذا فقد بقيت هذه الأطعمة بين الأيدي ولكن وجودها محدود.

وسنستعرض فيما يلي بعضًا من هذه الأطعمة والغاية من ذلك هو استثارة مشاعر الأجيال الصاعدة للتمسك بما عليه الآباء والأجداد، والإبقاء عليها، حتى تتواصل هذه المجتمعات فلا يكون فيما بينها انفصال وتبقى روح المجتمع متشابكة بلا انفصام أو انقطاع وربما يكون استعراضًا سريعًا في بعض الأطعمة فيكون هذا الاستعراض مذكرة لمن في قلبه حب لأهله ولمجتمعه.

ولا يخفى على ذي بصيرة أن المصادر الأساسية للطعام في بيوت أهل الجزيرة العربية هي الدقيق والتمر والتين والرز.

وقد فرض القمح بأصنافه الرئيسية من قوة ولين على أنواع الأطعمة التي لا تزال تصارع في سبيل البقاء. ومن الأطعمة هذه التي تعتمد على القمح اللين الطري القرصان وهي من أشهر الأطعمة في مطبخ الجزيرة ويعود أصل تسميته إلى شكله حيث يعد على هيئة أقراص مدورة. ويتم تصنيع القرصان بإحضار الدقيق الطري حيث يضاف إليه الماء والملح ويعجن عجنًا شديدًا حتى تتماسك ذراته وتتحد وتصبح العجينة خفيفة ناعمة الملمس لا تلصق بالكف. ثم يترك العجين ليتخمر؛ فيغطي بقطعة قماش مدة تتراوح بين نصف ساعة وساعة حيث يأخذ العجن بالانتفاخ قليلًا.

ثم توقد النار ويوضع فوقها طبق من المعدن كبير يسمى بالمقرصة أو الصاج حتى يسخن بشدة وفي الوقت يرق العجين على شكل قرص كبير ويوضع على الصاج وتفرده اليد بمرورها عليه فلا يكون فيه تجعيد وتثن فإذا ما نضج الوجه الأول قلب القرص على الوجه الثاني حتى ينضج القرص بوجهيه.

فإذا كان العجن كثيرًا تنوعت القرصان وتعددت حتى ينتهي العجين.

والعادة ألا يؤكل القرصان وحيدًا بل لابد من إضافات من اللحم وسمن وخضراوات وبصل وبهارات وطماطم وسلطة طماطم؛ إذ يقطع اللحم إلى مكعبات وكذا البصل ويقليان في السمن على نار هادئة حتى ينضجا ويتبخر ماء اللحم والبصل وحينذاك تضاف قطع الخضراوات المتوفرة من غير تحديد كالقرع والباذنجان والكوسا وتبقى النار هادئة مع التقليب حتى ينضج المزيج وقد يستغرق هذا مابين نصف ساعة وساعة ثم يؤتى بإناء للطبخ يسمى بـ”المنقعة” ويكون عادة عميقًا ليتسع المواد المختلفة، وتكسر القرصان إلى قطع غالبًا ما تكون بشكل مربعات ويصب فوقها مزيج من اللحم والخضراوات الذي سبق طبخه، ويترك الجميع على نار هادئة لبضعة دقائق حتى يتشرب مرق الخضار واللحم إلى القرصان فيصبح المزيج أشبه ما يكون بثريد اللحم والخضراوات ولكن المادة الأساسية في هذا الطعام القرصان. وهذا الطعام يشبه ما هو معروف في بلاد الشام تحت اسم الثرود ولكن مادته الأولى هي الخبز وليس القرصان.

وأخيرًا لا يخفى على القارئ الكريم غنى هذا الطعام بالمواد الغذائية المختلفة من بروتينات وفيتامينات وكربوهيدرات ومواد دسمة…إلخ الأمر الذي لا نجده في الأغذية الوافدة.

بقلم: محمد سعيد المولوي

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم