الصحة والغذاء

العوامة (لقمة القاضي) وبلح الشام

وهذا طعام آخر من أطعمة توحدت بين العرب عاملا من عوامل استمرار التواصل والترابط بين العرب وهو طعام قديم عرف منذ العصر العباسي وكان يسمى (الزلابية) وقد وصف ابن الرومي بائع الزلابية وهو يقليها بقوله:

ومستقر على كرسيه تعب                      روحي الفداء له من منصب نصب

رأيته سحرا يقلي زلابية               في رقة القشر والتجويف كالقصب

كأنما زيته المقلي حين بدا                        كالكيمياء التي قالوا ولم تصب

يلقي العجين لجينا من أنامله                            فيستحيل شبابيكا من الذهب

ولقد توارثت الأجيال هذا الطعام وانتشر في الأزمنة وسمي (العوامة) لأن قطعة العجين حين تسقط في المقلاة تطفو على وجه الزيت وتأخذ بالتحرك يمينا ويسارا كالسابح ووجد في مصر وسمي لقمة القاضي وكذلك هو باسم لقمة القاضي في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وهو في لبنان والأردن باسم العوامة.

وربما سائل يسأل: لماذا سمي هذا الطعام بلقمة القاضي؟

والجواب: إن القضاة في العالم الإسلامي كان لهم أرفع مكانة في الدولة وكان للقاضي سلطة حتى على الحاكم, ومن طيب طعم العوامة سموها لقمة القاضي, حيث لا يتصور أن يكون طعام القاضي إلا من أطايب الطعام.

ولو دققنا في حبة العوامة أو لقمة القاضي لرأينا كرة شقراء مجوفة قشرتها رقيقة تشف عما بداخلها من عجين قد نضج وبدأ يقسو يسبح في قطرات من القطر (الشيرة)، فإذا وضع الآكل حبة من العوامة في فمه تكسرت قشرتها كتكسر صفائح السكر, وتدفق القطر في الفم يمنحه الحلاوة واللذاذة ويجره إلى أن يمضغ الحبة فيختلط حلاوة السكر بطيب طعم العجين المقلي بحسن ذوق الزيت, وتجر واحدة الأخرى فإذا الآكل يبدو نهما إلى هذه الحلوى الطيبة لا يكاد يشبع منها يسره لونها وطعمها ولا يرهقه سعرها, ولا يتعبه تحضيرها.

 تحضر العوامة بمواد قليلة وجهد قليل ولكنها تحتاج إلى براعة في الصنع, ولا تحتاج إلى كميات محددة ملتزمة بل هو الطحين يضاف إليه الماء وبعض كربونات الصوديوم ورشة ملح قليلة.

ويعجن الجميع ويشترط أن يكون العجين طريا اذا أمسكه الانسان بيده سال يشبه في رقته بياض البيض, حتى إذا تماسك العجين مع بعضه ترك حتى يختمر وعلامة ذلك أن يرتفع العجين ويعلو في القدر واختمار العجين شرط أساسي لأن العجين اذا لم يكن مختمرا فإن القطعة منه حين ترمى في الزيت تنفجر وتطرش الزيت على الموجودين والجدران وتحرق المكان الذي تصيبه.

 ويوضع الزيت في المقلاة ويشترط أن يكون كثيرا حتى إذا أصبح حارا لا حارقا، وتعرف صلاحيته بوضع قطعة من العجين فيه فإن دارت وانتفخت وتكونت شيئا فشيئا وصارت شقراء فمعنى هذا أن الزيت قد أصبح صالحا للقلي.

 أما إن سقطت قطعة العجين إلى أسفل الزيت فمعنى ذلك انه لا يزال باردا لا يصلح للقلي, وان احمرت بسرعة أو اسودت بسرعة فمعنى ذلك انه شديد الحرارة وسيحرق خارج العجين دون أن ينضج داخله.

لا بد لنا قبل قلي العجين ان نكون قد جهزنا القطر (الشيرة)  بحيث لا يكون مائعا ولا ثخين القوام ونضع وعاء العجين على يسارنا وتكون المقلاة على يميننا وقد وضعنا الى جانبها صحنا صغيرا فيه زيت  وندخل يدنا في العجينة فإذا لبسها العجين أدخلنا رأس ملعقة في صحن الزيت حتى لا يعلق العجين بالملعقة, ثم نقبض كفنا والأصابع على العجين فتخرج حبة العجين بقدر حبة العنب من بين الباهم والسبابة حيث نقطعها بالملعقة ونرمي بها في الزيت, حتى إذا أصبح العجين كثيرا في المقلاة اخذنا ملعقة كبيرة مدورة كثيرة الثقوب (تسمى الكفكير أو الكفاتبرة) ورحنا نقلب العجين ونغطسه ضمن الزيت حتى ينضج من جميع الاتجاهات و حتى تنتفخ كرات العجين.  

وحين يصبح لونها أشقر تسحب الى مصفاة ليسيل منها مازاد من الزيت ثم تلقى في القطر حتى تشرب الشيرة فاذاشعرنا أنها أخذت حاجتها من القطر رفعناها الى مصفاة ليسيل  منها القطر الزائد, ويفضل أن يكون القطر قد اضيف له بعض قطرات من ماء الزهر.

     ونحب أن نشير هنا آلى قضية هامة جدا وهي ان العوامة صديق الفقير والغني فهي حلوى الفقير ولا نبالغ ان العوامة هي ارخص حلوى يمكن ان يشتريها الانسان كما ان العوامة حلوى الغني بما تحمله من مذاق طيب وقيمة غذائية كبيرة فهي محط عناية الجميع فالعوامة تقدم  لآكلها الكاربوهيدرات والسكريات والدهون  والطعم اللذيذ والمتعة.

  أما النوع الثاني من هذه الحلوى فهو اصابع  الست أو ما يسمى ببلح الشام وهو مما  اخترعته بلاد الشام وسرى في غيرهامن البلاد لذلك سمي ببلح الشام وهو أسهل تحضيرا من العوامة اذ يؤتي بالسميد فينخل حتى لا يكون فيه شيء من الشوائب ثم يضاف اليه الماء وذرة من الملح وبعض الخميرة ويعجن الجميع بشكل يجعل المعجون متماسكا يشبه العجوة المعجونة ويقطع العجين الى قطع بطول ابهام اليد ثم تمدحتى تصبح كالبلحة ثم توضع على منخل حديدي وتكبس على حديده فتصبح لها تخريمات مربعات كحديدة المنخل ثم تقلى بالزيت حتى يصبح لونها بين البني والأحمر ثم تخرج من المقلاة وتوضع في القطروميزة هذا الطعام أنه أقل حلاوة من العوامة وهو أصلح لمن يعانون من مرض السكري ولا يغيب عنا أن ما ذكرناه عن فوائد العوامة ينطبق هنا تماما من لذة وطيب ورخص وسهولة تحضير.   

  محمد سعيد المولوي

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم