الصحة والغذاء

الأكلات الشعبية .. سر التنوع الحياتي

ترسم الأكلات الشعبية في كثير من الأحيان بعضًا من ملامح الصورة الاجتماعية للناس في بلدها، وتعطي تعبيرًا صادقًا لمكوناتها ولهذا تجاهد الكثير من المجتمعات في العالم اليوم للحفاظ على هذا الموروث من طوفان المدنية الحديثة الذي أصبح يأخذ كل شيء في طريقه..

ففي الجنوب السعودي ما زال الكثيرون هناك يحافظون على قوائم الطعام الشعبية التي نجح أجدادهم في أوقات سابقة في بناء مكوناتها، وهي مكونات مرتبطة بالبيئة التي وجدوا فيها أنفسهم وتلك نقطة هامة لا بد من التعرف عليها ابتداءً، إذ يفسر لنا التنوع الجغرافي والبيئي والمناخي عن السر الرئيسي لتنوع الحياة في هذه المنطقة ويقودنا في الوقت نفسه لمعرفة السبب في اختيار الناس هناك لأنواع محددة من الأطعمة وكذلك لطرق صناعتها.

فالمنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية تتميز بالتنوع المناخي ففي حين تشهد الكثير من المناطق في السعودية موجات من البرد القارس والحر الشديد على مدار العام تجمع معظم المناطق في هذا الجزء من المملكة مناخين متناقضين يجمعها قاسم مشترك واحد وهو الاعتدال بالإضافة إلى الطبيعة الجبلية التي تميزها، فإن أهل الجنوب قد اختاروا لأنفسهم مجموعة من الأكلات المتناسبة مع هذه التكوينات، وبالرغم من اختلاف هذه الأكلات بين المناطق المكونة للجنوب إلا أننا نستطيع بشكل ما رصد بعض من أهم هذه الأكلات.

وفي هذه القائمة نستطيع التعرف على (المرسه) وهو طعام يتكون من الخبز المفتوت والسمن والعسل والموز و(المغش) الذي يتكون من اللحم والمرق و(العصيدة) المكونة من الدقيق المخلوط بالماء ثم (القرص) الذي لا يختلف عن العصيدة كثيراً ثم هناك أيضًا مزيد من التفاصيل:

المغش: 

يعتبر المغش من الأكلات الشعبية بمنطقة (جازان) تحديدًا وقد أخذت هذه الأكلة التي تتميز بنكهة شعبية مميزة اسمها من الوعاء الذي تعد فيه وهو إناء حجري يتم نحته من الصخور ويسمى بالمغش وفيه توضع كل مكونات هذه الأكلة التي تتكون من اللحم والخضار والماء وأنواع من البهارات منها الثوم والملح والكركم وتستغرق عملية الطبخ التي تتم داخل التنور الحار مدة تتراوح بين  ساعة ونصف وساعتين وبعدها يتم فصل الحساء عن اللحم الذي عادة ما يتم طهيه بحرارة الفحم لحاله مرة أخرى..

الدغابيس:

يتم تحضير هذه الأكلة من العجين بشكل أساس وذلك بوضعها على المرق حتى ينضج ثم تؤكل باليد بطريقة مميزة حيث يقوم الشخص الذي يريد تناولها بأخذ قطعة متوسطة منها ثم يقوم بحفر حفرة في وسطها باستخدام إبهامه ليملأها بعد ذلك بالمرق تمهيدًا لأكلها ولهذه الأكلة التي مفردها (دغبوس)أسماء أخرى في بعض المناطق كبلاد غامد وازهران حيث يطلق عليها الناس هناك اسم دهاليس.

خبز التنور:

يعتبر هذا الخبز الذي يتم صناعته في العادة داخل البيوت باستخدام الأفران الحجرية واحدا من أهم مظاهر الاحتفاء بالضيوف في الجنوب السعودي، إذ ما زال الناس هناك وبالرغم من المظاهر الحديثة التي طفت على تفاصيل الحياة تحتفل بضيوفها وذلك بصنع وتقديم هذا الخبز له تمامًا كما كانت تفعل في الماضي القديم، وكأنهم بذلك يحاولون إبقاء الجسور ممتدة مع الماضي البعيد.

بالإضافة إلى ما سبق هناك قائمة طويلة من الأكلات الشعبية الخاصة بهذه المنطقة، وهنا لا بد من القول إن بعض هذه الأكلات مرتبطة ببعض المناسبات الخاصة، ففي رمضان مثلاً تقفز إلى موائد الجنوبين الزلابية المصنوعة من خميرة الذرة الحمراء وبالرغم من انقراضها في الكثير من المناطق إلا أن البعض ما زال يقوم بتحضيرها في هذا الشهر الكريم، كما هناك المطيق والقرمشي والهريسه وجميعها أكلات ذات مذاق حلو وغنية بالدهون والدسم وتتكون من البر والعسل والسمن والموز، وقد اعتاد الناس وخاصة في الماضي تناولها في وقت السحور لأنها تساعد الصائمين على مقاومة الجوع والعطش أثناء نهار رمضان.

لا يكتمل الحديث عن الطعام والأكلات الشعبية في هذه المنطقة من الجنوب السعودي دون الحديث عن الأدوات والأواني المستخدمة لصناعتها، إذ تكشف لنا هذه الأدوات بصورة ظاهرة ما يمكن أن نسميه سجلا شعبيا مدونا بطريقة عفوية، فمما لا شك فيه أن هذه الأدوات التي صنعها الإنسان في تلك المناطق قد خرجت من صلب البيئة التي يعيش فيها وهي بالتالي جاءت لتحقق رغباته الحياتية متوافقة مع مكونات البيئة. ويعتبر الطين المادة الرئيسية المستخدمة لأغلب الأدوات الخاصة بالطبخ والطعام الشعبي في هذه المنطقة وربما استخدم الناس هناك هذه المادة لمعرفتهم بالخصائص المميزة لها والتي تتلخص في القوة والصلابة خاصة وأن معظم هذه الأدوات تتعرض للنار أثناء الاستخدام فـ(الميفا) وهي واحدة من أبرز هذه الأدوات وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم التنور يستخدم لطبخ (الحنيذ) وطهي الطعام وهذا ما يمكن مشاهدته أيضًا في (البرمة) التي تستخدم لطهي اللحوم والهريس والشوربة كما هناك (المشهف) الذي يستخدم لتحميص البن والقشر، أما الأدوات المساعدة لتحضير وتناول الطعام فنجدها هي الأخرى مصنوعة من ذات المواد الطينية فـ(الجرة) وعاء يستخدم لحفظ تبريد المياه ويصنع من الطين، أما (المركب) وهو وعاء مجوف فيستخدم كموقد لطهي الأطعمة إضافة إلى ذلك هناك الكوز وهو وعاء يشبه الإبريق ثم هناك فناجين الطين التي تحتفظ بالحرارة لمدة مناسبة

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم