الصحة والغذاء

وجبات سريعة بنكهة التسمم الغذائي!

اعتاد البعض ارتياد مطاعم الوجبات السريعة التي يزداد انتشارها يوماً بعد يوم لاسيما في بلداننا العربية، فقد أضحت تلك الوجبات جزءاً من الغذاء اليومي لدى الكثيرين، في ظل غياب وعي شبة كامل بالآثار الصحية الضارة التي تنتج عن تناولها. يحدث ذلك رغم الأخبار المؤلمة التي تطل علينا كل يوم على صفحات الصحف حول وقوع أشخاص ضحايا التسمم الغذائي بعد تناول وجبات من هذه المطاعم السريعة، التي تفتقد في كثير من الأحيان أدنى شروط النظافة والسلامة الصحية. 

  استضافت (عالم الغذاء) عددا من المختصين، وناقشت معهم مضار الوجبات السريعة وأسرار إقبال الناس عليها، وسبل التقليل من أضرارها، فإلى تفاصيل الندوة..

شارك في الندوة:

–  د. أشرف عبد المجيد، أستاذ علوم الغذاء والتغذية

– أ. منّور محمد الزيهري، أخصائية تغذية

– أ. هبة جميل قاسم، أخصائية تغذية

عالم الغذاء: نسأل في البداية عن مفهوم الأطعمة السريعة؟

منّور: يمكن تعريف الأغذية السريعة بأنها أغذية تُحضر وتُؤكل خلال فترة قصيرة؛ فهذه الأغذية سهلة التداول ويمكن تناولها في أي وقت وفي أي مكان بشكل سريع بصرف النظر عن قيمتها الغذائية أو مستوى نظافتها. ومن أكثر أنواعها انتشاراً بين المستهلكين في المملكة: البرجر والشاورما والنقانق والبيتزا والبطاطس المقلية.

هبة: أحب أن أشير في هذا الصدد إلى خطأ شائع بين البعض وهو الاعتقاد بأن كل طعام سريع يسبب أضرارا صحية؛ حيث تنقسم الوجبات السريعة إلى قسمين:

– وجبات سريعة مفيدة: تحتوي على قيمة غذائية مثل الفاكهة والخضراوات والمكسرات والبيض والأرز والدجاج المشوي والحمص والفول والفلافل.

– وجبات سريعة ضارة: تفتقر للعناصر الغذائية وتمد الجسم بسعرات حرارية عالية ومن أمثلتها الأطعمة المقلية كالبرجر والسجق والأطعمة المملحة كالبطاطس المقلية وغيرها.

عالم الغذاء: هل يمكن إلقاء الضوء على أبرز سمات الوجبات السريعة؟

د.عبد المجيد: إذا نظرنا لأغلب الوجبات السريعة الموجودة في مطاعمنا سنجد أنها تتصف بعدة سمات منها أنها تعد عادة بطريقتي الشيء أو التحمير وبالتالي يستخدم في إعدادها درجات حرارة مرتفعة. كما يستخدم في تحضير هذه الوجبات زيت تكرر استخدامه مرات عديدة. ومن سماتها أيضا ارتفاع محتواها من الدهون والسعرات الحرارية.

هبة: إضافة إلى ما ذكر، فإن الوجبات السريعة تتميز أيضًا بانخفاض محتواها من الألياف، وافتقارها إلى الفاكهة والسلطات والعناصر الغذائية. كما أن سرعة إعداد هذه الأطعمة له ضريبة؛ لأن تحضير الطعام بشكل سريع يستدعي استخدام مواد مضافة وكيماويات لا يعلم مكوناتها إلا الله تعالى، ومع السرعة فليس هناك وقت كاف لمراقبة الجودة.

عالم الغذاء: برأيكم.. ما هي العوامل التي ساعدت على زيادة الإقبال على الوجبات السريعة بين أفراد المجتمع؟

منور: أرى أن توظيف مطاعم وشركات الوجبات السريعة أحدث تقنيات فن الإعلان في إعداد إعلانات ترويجية لوجباتها بطريقة جذابة وقادرة على إقناع المستهلك، من أهم عوامل انتشار هذه الوجبات.

كما استفادت هذه المطاعم والشركات، بشكل كبير، من تعدد وتنوع وسائل الاتصال وقنوات نشر الإعلان؛ فتجد إعلانات لها في الشوارع العامة، خاصة عند إشارات المرور، وفي مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

وتُستخدم في الإعلانات خدع تهدف إلى إغراء المستهلك بالإقبال على استهلاك الوجبات السريعة، مثل وضع هدايا صغيرة ومغرية للأطفال مع الوجبة الخاصة بهم وإيهام المستهلك بأن المشروب أو وجبة البطاطس مجانية مع الوجبة رغم أنها تدخل ضمن تكلفة الوجبة التي يحاسب عليها. فضلاً عن استخدام إيحاءات مؤثرة في إعلاناتها المتلفزة مثل اختيار شخصية محبوبة وتتمتع بشعبية واسعة للإعلان عن وجباتها والإيحاء بأن هذا النجم يستمتع بتناول الوجبة في جو سعيد وحميم ما قد يؤدي إلى إقناع المستهلك بشراء هذه الوجبة.

هبة: لا شك أن الدعايات والحملات الترويجية في الصحف والمجلات وقنوات التليفزيون ساهمت بشكل كبير في الترويج لمطاعم الوجبات السريعة، وزاد من الترويج لهذه المطاعم التنافس الشديد فيما بينها في جودة الخدمة وتقديم خدمات إضافية مثل خدمة التوصيل المجاني.

لكن تغير أسلوب الحياة وزيادة المشاغل الحياتية، حيث ينتقل الشخص من عمل إلى آخر، كان له الأثر الأكبر، من وجهة نظري، في انتشار مطاعم الوجبات السريعة. كما أصبحت هذه الوجبات فرصة للتخلص من الروتين اليومي للطعام الذي يقدم في المنزل. وصار الخروج لمطاعم الوجبات السريعة وسيلة لفتح شهية كثير من الأطفال؛ وهذا راجع إلى قيام آبائهم بفرض طعام المنزل عليهم فضلا ًعن تناولهم الطعام في جو غير مريح نفسيا خصوصا وجبة الغداء.

إضافة إلى كل ما سبق، فإن احتواء معظم الأغذية السريعة على نسبة عالية من الدهون يجعل طعمها مقبولا ًومستساغًا؛ حيث تساعد الدهون على تحسين طعم الطعام.

عالم الغذاء: ننتقل إلى مناقشة الأضرار الصحية التي قد نتعرض لها نتيجة تناول الوجبات السريعة.

عبد المجيد: إذا تحدثنا عن أضرار الوجبات السريعة، فأشير إلى أن الأطعمة السريعة يتم طهيها عادة إما بطريقة الشي أو التحمير (القلي).  وفي هاتين الطريقتين تستخدم في طهي الأغذية درجات حرارة مرتفعة؛ حيث إن لكل طريقة مستخدمة درجات حرارة، فالسلق يتم على 100 ْم، والتحمير أو القلي يتم على 180 ± 5 ْم، في حين يتم الشي على 207 ْم وربما تزداد في محالات الأطعمة السريعة وتصل إلى الضعف.

وتؤدي درجات الحرارة دورًا هامًا في التأثير على هذه النوعية من الأغذية، فكلما زادت درجات الحرارة المستخدمة أدت إلى إحداث تكسير للبروتينات ما يؤدي إلى تكوين مركبات نيتروجينية ضارة تصبح عبئًا على الكلى كي يتخلص منها.

كما أن هناك علاقة طردية بين ارتفاع درجات حرارة الطهي وتكوين مركبات (هتيروسكلك أمين) التي يعتقد أنها تقود إلى سرطان الثدي والبروستاتا والأوعية الدموية.

هبة قاسم: إضافة إلى ما ذكره الدكتور، أشير إلى الوجبات السريعة تعتبر من الوجبات التي تؤكل على عجل، والأكل بسرعة دون مضغ جيد يسبب عسرًا للهضم.

كما تزيد نسبة الدهون المشبعة في أغلب الوجبات السريعة وهو ما قد يسبب ارتفاعا في شحوم الدم والكولسترول الضار.

والوجبات السريعة أيضا ذات سعرات حرارية عالية وغنية بالنشويات بسبب استعمال الخبز الأبيض والمعجنات وذلك يؤدي إلى زيادة الوزن. كما يضاف إلى هذه الوجبات في معظم الأحيان كميات كبيرة من الملح والمخللات وهذه تسبب ارتفاعا في ضغط الدم خاصة عند الذين تجاوزوا سن الأربعين. كما يعيب الوجبات السريعة نقص الألياف والمعادن الضرورية مثل الكالسيوم والحديد وقد يؤدي ذلك إلى الإصابة بالأنيميا وهشاشة العظام. فضلاً عن أن كثيرا من هذه الوجبات تعد الباب الواسع للإصابة بالتسمم الغذائي كما تطالعنا الصحف يوميًا. وبعيدًا عن الأضرار الصحية الناتجة عن تناول الوجبات السريعة، فهي تفقد الأسرة متعة الجلوس سويا على مائدة الطعام.

عالم الغذاء: د.عبدالمجيد تحدثت عن أن أغلب الأطعمة السريعة تعد إما بطريقة الشي أو التحمير. ألا تتفق معنا في أن طريقة الشي واحدة من طرق الطهي الصحية؛ حيث تساعد على تقليل الكولسترول؟

د.عبدالمجيد: بالطبع، تساعد عمليات الشي في تقليل محتوى المادة الغذائية من الدهون، ولكن لا تخلص المادة نهائيًا من الدهون. ولو نظرنا للدهون المتبقية سوف نجدها قد تعرضت للأكسدة وأصبحت أكثر تشبعًا ما يسبب أضرارًا للقلب.
 ولو نظرنا أيضا للون البني الذي تكتسبه المادة الغذائية بعد الشي، نجد أن أحدث الأبحاث تقول إنها أشد ضررًا على قلب الإنسان من الكولسترول كما أنها عامل هام في إحداث أنواع كثيرة من السرطان.

عالم الغذاء: هل صحيح أن البعض قد يدمن الوجبات السريعة؟

هبة: هذا صحيح، فقد تسبب الوجبات السريعة الغنية بالدهون الإدمان بنفس الطريقة التي تسببها المخدرات خاصة الهيروين؛ حيث يصبح الجسم مدمنا على الدهون والسكريات التي تدخل في مكونات هذه الوجبات.

والمشكلة الكبيرة هي أن أكثر من يدمن على هذه الوجبات في مجتمعاتنا هم من الأطفال؛ حيث يشعر الطفل بالاستقلالية في اتخاذ القرار عند قيامه بتحديد نوع الطعام الذي يريده، ويجد في الوجبات السريعة ملاذًا لتحقيق هذه الاستقلالية دون أن يدرك أن إدمان هذه الوجبات إضافة إلى قلة النشاط الحركي تقوده إلى الإصابة بشبح السمنة.

وقد يتكون لدينا بسبب هذه الوجبات جيل مصاب بأمراض القلب والكلى والكبد والسكري والضغط، كما أنها تؤدي إلى تسوس الأسنان خاصة عند الأطفال.

عالم الغذاء: برأيكم.. ما هو تعليقكم على دور وسائل الإعلام في التثقيف والتوعية من أخطار الوجبات السريعة؟

منور: للأسف لا يوجد توعية وتثقيف في وسائل الإعلام، خاصة المرئية، حول مخاطر الوجبات السريعة. وعلى العكس من ذلك، تعتبر وسائل الإعلام ميداناً فسيحاً لمجابهة يومية بين برامج التثقيف والتوعية الغذائية في المجلات والجرائد وبين الإعلانات التجارية المتلفزة التي تستهدف ترويج إحدى السلع الغذائية ومنها الوجبات السريعة، ولعل التلفزيون هو أكثر وسائل الإعلام فعالية ما يقلل فعالية وسائل الإعلام الأخرى مثل الصحف والمجلات والملصقات؛ لأن الأطفال وكبار السن والأميين لا يطالعون تلك المجلات والجرائد، فكيف يمكن أن تصل له تلك التوعية عن مخاطر الوجبات السريعة.

نشرت الندوة في النسخة الورقية من مجلة عالم الغذاء

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم