الصحة والغذاء

ماذا كان يأكل العرب؟

تحدثنا أن مصادر اللحم عند العرب كانت الشياة والإبل والصيد البحري وهي المصادر الأساس ولكن كانت هناك مصادر أخرى منها البقر إذ كان بعض العرب يربون الأبقار ويستفيدون من لبنها ولحمها وجلودها، وكانوا إذا منع عنهم القطر في الجاهلية عمدوا إلى أذناب البقر فربطوا بها الأعشاب ثم خرجوا بها إلى الفلاة وأشعلوا تلك الأعشاب فتمضي البقر مذعورة من النار تحرقها ويسمون تلك النار نار الاستمطار يعتقدون أنها سبيل لنزول المطر.

ومن مصادر اللحم الدجاج وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه «القاذورة» لأنه كان يتخلى الأقذار في الشوارع فيأكل من روث الغنم والبقر. وقد نص الإسلام أن الدجاجة المخلاة التي تسرح في الطرقات يجب حبسها ثلاثة أيام قبل ذبحها حتى يتطهر لحمها من الجراثيم والمواد الممرضة. لكن الدجاج وما شابهه إنما كان يربى في القرى والمناطق الزراعية، فلم يكن عامًا كالأنعام والإبل.

وكانت العرب في الجاهلية تأكل لحم الخيل ولحوم الحمير الأهلية ولا سيما إذا حلت سنون القحط والجدب وما  كان يذبح حصانه أو فرسه إلا الرجل الكريم لأن الخيل كانت عزيزة على أصحابها وكان العربي يحس أن بينه وبين خيلة صلة مودة وحب لأنها كانت مركوبه ومحط افتخاره والمتعاونة معه في الحروب وسبيل لحاقه بأعدائه أو النجاة منهم حتى أن العرب تغردوا بين جميع الزمم بأن حفظوا للخيل أنسابها وعرفوا أبائها وأمهاتها وأولادها ومن الكتب الشهيرة في أنساب الخيل كتاب ابن الكلبي.

ومع كل هذه الصلة الحميمة بين الخيل وأصحابها فإن العربي كان يضحي بفرسه ويذبحه ويقدمه طعامًا للجائعين إذا أسنت الناس وأصابهم القحط والجهد كما فعل حاتم الطائي حين ذبح فرسه وطاف على الحي يدعو الناس  للشواء والتحف بردائه وجلس بعيدًا ينظر إلى الجائعين الذين لم يخلفوا من الفرس سوى حافر أو عظم ولم يذق حاتم مزعة لحم.

وكان الناس في الجاهلية يذبحون الحمير ويأكلونها وحين جاء الإسلام لم يحرم لحم الخيل لكنه كره لأن الخيل عدة الحرب والجهاد بل دعا إلى ارتباط الخيل وإكرامها والعناية بها وأباح الإسلام في البدء لحم الحمير الأهلية لأن الناس كانوا في شدة وفقر وحاجة، وحين تحسنت أوضاع المسلمين المادية حرم الله لحم الحمر الأهلية في غزوة خيبر لأنها مركوب عامة الناس فكفئت القدور التي كانت تغلي بلحم الحمير، كما حرم الله في تلك الغزوة زواج المتعة.

ومن أطعمة اللحم التي كان للعرب في الجاهلية وصدر الإسلام ولا تزال إلى يومنا هذا لحم الضب وهو حيوان يشبه التمساح الصغير يحفر في الصحراء حجرًا له فيمضي الناس لاحتراشه فيحدثون خشخشة على باب حجره فيظنه صيدًا فيخرج له فيمسكونه. وقد قدم الضب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فرفض أكله وحين سئل أمحرم هو؟ أجاب:لا.. ولكن تعافه نفسي فقربه خالد بن الوليد فأكله.

ومن الأطعمة التي تتصل باللحم أن بعض العرب في الجاهلية كانوا إذا إصابتهم سنة وقلت لديهم الأقوات وذبحوا شاة كانوا يأخذون صوفها فيلثونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه ويسمونه «العلهز».

ومن الأطعمة التي تتعلق باللحم والتي كانت لها مكانة خاصة عند العرب «الثريد» وهو أن يقطع الخبز ويسلق اللحم في القدور ثم يصب مرق اللحم على الخبز ويجلل باللحم ويسقى السمن، وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الثريد سيد طعام أهل الدنيا وسيد طعام أهل الجنة. ولعل السر في تفصيل الثريد قيمته الغذائية وسهولة تحضيره ويسر أكله، ولذاذة طعمه. ولقد أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام  المسلم إن طبخ أن يكثر المرق وأن يهدي منه لجاره لأن المرق وسيلة لصنع الثريد. على أنه يجب علينا ألا نبالغ في تصور كثرة الطبخ في العصر الجاهلي وصدر الإسلام لأن حياة ا لغزو والارتحال وطلب النجعة والبحث عن الكلأ كانت  تحول بين العربي وكثرة الطبخ إلى جانب الحياة القاسية من فقر وقسوة حياة وتروي السيدة عائشة أنه كان يمضي شهران دون أن توقد في بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام نار.

ولا يفوتنا أن نذكر أن طعامًا آخر كان يتوافر في مناسبات غير محدودة وهو طعام يحمل معنى العقوبة ومعنى الأنعام ألا وهو الجراد، فالله تعالى ينبئنا في القرآن الكريم أن عاقب عباده بالضفادع والقمل والجراد.  ذلك أن الجراد لا يأتي على شيء ويتركه سليمًا فهو يأكل الأخضر واليابس فلا يترك عودًا أخضر ولا ورقة على شجرة بل يقضي على كل ذلك بفكيه القاطعين.

ولكن الجراد الذي هو نعمة جعله الله نعمة لأقوام أخرين، ففي الأوقات العصيبة وقد ساد القحط فالسماء لا تمطر والأرض لا تنبت تأتي أسراب الجراد فتكاد تغطي عين الشمس لكثرتها، ويهرع الجائعون فيجمعون الجراد ثم يسلقونه في الماء الحار ويأكلون صدره وفخذيه.

وأني لأذكر أنني عندما زرت الكويت  استرعى انتباهي قطع حمراء كثيرة متناثرة في الأرض ولم أعرف ما هي وحين سألت عنها قيل لي إنها سواقط الجراد، وبعد قليل مررت على صفائح من التنك موضوعة على النار وبجانبها أكياس مليئة بالجراد وكان صاحبها يغرف من الأكياس فيجعلها في ماء الصفائح الحار ثم يجعل كمشات منها على أوراق ويبيعها للراغبين، ولا تزال حتى اليوم نجد أكياس الجراد في سوق الدجاج وبعض الناس يقبل على شرائها.

أخيرًا لابد أن أشير إلى بعض الأطعمة التي كانت يقبل عليها العرب في الجاهلية وصدر الإسلام ومنها الكوارع وهي أقدام الغنم التي تسلق وتؤكل  .

محمد سعيد المولوي

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم