الصحة والغذاء

كيف نظر القرآن الكريم للقوّة البدنية؟

لو راجعتَ الروايات التي تحدّثت عن هذه القوّة لرأيت أنّ الله سبحانه وتعالى لم يعط قيمة للقوّة الجسميّة المجرّدة، بل اعتبر هذه القوّة ذات أهميّة فيما إذا وظّفت في طريق الخير، أي في نفع الإنسان والناس.

العلم والجسم

فهو حينما يحدِّثنا عن (طالوت) يقول: }وزاده بسطة في العلم والجسم{ (3) أي جمع القوّتين معًا: العلمية والعملية، ذلك أنّ القوّة العضلية وحدها هي قوّة حيوانيّة، فالثور قويّ، والحصان قوي، والأسد قوي، والذئب قوي، والنمر قوي، والفيل قوي، والجمل قوي، ولكنّها قوّة إمّا لحمل الأثقال، وقطع المسافات الطويلة، وإمّا قوّة افتراسية.. ضاربة.. ضارية.. متوحّشة.

ولذا فأنتَ حينما تقرأ قـوله تعالى عن موسى (عليه السلام): }قال ربّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكون ظهيرًا للمجرمين{ (4) تعرف أنّ القوّة الممنوحة لموسى (عليه السلام) كشابّ يراد لها أن تكون مسخرة في الدفاع عن المظلومين ونصرة الحق، وليس آلة ضاربة بيد الظالمين وإعزاز الباطل.

وحينما تمرّ بك قصّته (عليه السلام) مع بنتي شعيب (عليه السلام) فتراه يسقي لهما من بئر عليها حشد من الرّعاة، يمارس قوّته الفتية في الحفاظ على عفاف البنتين، ولذا فإنّهما حين رجَعتا إلى أبيهِما، امتدحَتا موسى (عليه السلام) أمامه في قوّته وفي أمانته }يا أبتِ استأجره إنّ خير مَن استأجرتَ القويّ الأمين{ (5)، فلم تنجَذِبا إلى قوّته البدنية فقط، بل إلى أمانته الخلقية أيضًا.

محطم الأصنام

والفتى محطّم الأصنام (إبراهيم الخليل) (عليه السلام) لم يندفع بقواه البدنية ليجرح هذا أو يقتل ذاك، أو يتباهى بعضلاته المفتولة أمام الآخرين، بل حمل فأسه ليحطّم أصنامًا لا تضرّ ولا تنفع، فيجعل قومه يتساءلون عن حقيقة هذه الأحـجار التي لم تتمـكّن من الدفاع عن نفسها: }فجعلهم جذاذاً إلاّ كبيراً لهم لعلّهم إليه يرجعون{ (6).

وعند ما وجّهوا إليه أصابع الاتهام: }قالوا سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم{ (7)، لم يرتعد خوفًا من التهمة، ولم يفزع عندما اتّخذوا قرارًا بإلقائه في النار حيث واجه مكيدتهم بقوّة أخرى، هي قوّته الإيمانية الروحية العالية، ثقة منه بأنّ الله سينصره ويخذل الكائدين له، ممّا يؤكِّد أنّ القوّة البدنية ليست سلاحًا فعّالاً وحدها.

وفي لقائه (نمرود) الطاغية القويّ مادّيًا، واجهه بقوّتين: عقلية وروحية ولم يواجهه بقوّة مادية لمعرفته أنّ قوّة نمرود المادية أقوى }قال فإنّ الله يأتي بالشّمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر { (8) .

فالقوي في هذا المشهد هو إبراهيم (عليه السلام) والغلبةُ له وليس لنمرود الذي لم يكن قويًّا وإنّما يدّعي القوّة شأنه شأن كلّ الطواغيت والجبابرة.

ونلتقي في صفحات القرآن المضيئة بإبراهيم (عليه السلام) وابنه إسماعيل (عليه السلام) وهما يتعاونان على بناء بيت الله (الكعبة) المشرّفة، حيث يحمل إسماعيل الابن الصخر وإبراهيم الأب يبني، حتّى اكتمل البنيان.

وهذا رقم آخر يضاف إلى الأرقام السابقة أنّ القدرة البدنية في الإسلام يراد لها أن توضع في موضع الخدمة لبناء أيّ صرح علمي أو ثقافي أو تربوي أو عبادي أو خدمي.

ويذكّرنا هذا المثال ببناء المسجد النبوي الشريف، حينما أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الهجرة ببنائه، فهرع المسلمون – مهاجرين وأنصارًا – لبنائه بأنفسهم، فكان كلُّ مسلم يحمل حجرًا وعمّار بن ياسر (رضي الله عنه) يحمل حجرين، فبارك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له فتوّته وهمّته.

ونلتقي في القرآن بالفتى داود (عليه السلام) الذي ينبري لقتال الطاغية جالوت رغم فارق السنّ والقوّة البدنية بينهما، فلقد خرج داود وهو يحمل أحجارًا ومقلاعًا، وما أنّ سدّد حجرًا كبيرًا لجبهة جالوت حتّى شجّها وخرّ صريعًا. إنّها فتوّة الإيمان لا فتوّة البدن.

العبد الصالح

كما نلتقي أيضًا بالعبد الصالح (ذي القرنين) الذي استثمر طاقاته المبدعة في الدفاع عن المستضعفين، حيث يصنع لهم سدًّا يقيهم من هجمات الأعداء (يأجوج ومأجوج).

 وقد طلب منهم أن يبذلوا طاقاتهم البدنية معه فيعينوه على ذلك العمل الكبير الذي أنقذهم من عدوان دائم يشنّه الأعداء عليهم.

فبناء سدّ حديديّ يحتاج ـ كما هو معلوم – إلى جهود كبيرة متضافرة، ولذا تداعت السواعد الفتية إلى إنجازه لحمايتهم وحماية المستضعفين من أبناء مجتمعهم.

وفي مقابل هذه القوّة المسخّرة في الخير، نجد في القرآن القوى المادية المسخّرة في الشرّ والإثم والعدوان }ألم تر كيف فعل ربُّك بعاد. إرم ذات العِماد. التي لم يُخلق مِثلُها في البلاد. وثمود الّذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد. الّذين طغوا في البلاد. فأكثروا فيها الفساد{ (9).

فهذه قوى مادية جبّارة، لكنّها وضعت من أجل نشر الفساد في الأرض وتدميرها وتحطيم إنسانها وجعله تابعًا ذليلاً مهانًا.

فأيّ القوّتين نريد كشباب؟

قوّة الخير، ودعم الخير، والدفاع عن الخير والخيّرين؟

أم قوّة الشرّ، وإسناد الشرّ، والوقوف مع الشرّ والشريرين؟

في أيّ صف نقف كرياضيين أبطال أو كرجال أشدّاء؟

صف الأقوياء المؤمنين : إبراهيم وموسى وداود وذي القرنين؟

أم صف الأقوياء الكفرة: نمرود وفرعون وهامان وجالوت؟

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم