اكتشاف مثير من باحثين في جامعة الصين الزراعية يقدم بصيص أمل لملايين الأشخاص الذين يعانون من عبء الاكتئاب والإمساك المزدوج. فقد كشفت دراسة حديثة أن سلالة معينة من بكتيريا الأمعاء لديها القدرة على معالجة هاتين الحالتين معًا، مما يفتح آفاقًا جديدة للعلاج.

البروبيوتيك ودوره في تحسين المزاج والهضم
أظهر بروبيوتيك محدد، يُعرف باسم Bifidobacterium animalis lactis A6 (بكتيريا بيفيدوباكتيريوم أنيماليس لاكتيس أ 6)، تحسنًا ملحوظًا في المزاج وحركة الأمعاء لدى المشاركين الذين يعانون من الاكتئاب والإمساك في تجربة سريرية استمرت ثمانية أسابيع. يعمل هذا البروبيوتيك عن طريق تثبيت إنتاج السيروتونين في الجسم، وهي مادة كيميائية في الدماغ تُعرف بـ”هرمون السعادة” وتؤدي دورًا حاسمًا في تنظيم المزاج والهضم الصحي.
تُشير البيانات الوطنية إلى أن حوالي 21 مليون بالغ أمريكي يعانون من الاكتئاب سنويًا، وتُظهر دراسات سابقة أن الإمساك أكثر شيوعًا بين المصابين بالاكتئاب. هذا الارتباط الوثيق بين الحالتين يُبرز أهمية “محور الأمعاء والدماغ”، وهو المسار العصبي الذي يربط بين الجهاز الهضمي والدماغ.
كشف العلاقة بين الأمعاء والدماغ: تفاصيل الدراسة
لتقييم العلاقة بين الأمعاء والدماغ، قسم الباحثون المشاركين المصابين بالاكتئاب إلى أربع مجموعات على مدار ثمانية أسابيع:
- مجموعة تعاني من الاكتئاب والإمساك وتناولت البروبيوتيك.
- مجموعة تعاني من الاكتئاب والإمساك وتناولت دواءً وهميًا.
- مجموعة تعاني من الاكتئاب فقط وتناولت البروبيوتيك.
- مجموعة تعاني من الاكتئاب فقط وتناولت دواءً وهميًا.
النتائج كانت واضحة ومثيرة للاهتمام: المجموعة الوحيدة التي شهدت تحسنًا ملحوظًا هي تلك التي عانت من الاكتئاب والإمساك وتناولت البروبيوتيك. انخفضت درجات الاكتئاب لديهم على مقياس هاملتون لتصنيف الاكتئاب من متوسط 12.77 إلى 9.48، مما يُترجم إلى تحسن كبير في الأداء اليومي. كما تحسنت أعراض الإمساك لديهم بشكل ملحوظ، حيث انخفضت درجاتهم على مقياس تقييم أعراض الإمساك للمريض من 1.13 إلى 0.97.
هذا يشير إلى أن العلاقة بين الأمعاء والهضم تصبح حاسمة عندما تكون كلتا المشكلتين (الاكتئاب والإمساك) حاضرتين.
إصلاح “مصنع السيروتونين” في الجسم
لقد قام البروبيوتيك بشكل أساسي بإصلاح عملية إنتاج السيروتونين في الجسم. يعتمد جسم الإنسان على حمض أميني يسمى التربتوفان كمادة خام لإنتاج السيروتونين (الذي يحسن المزاج والهضم) أو الكينورينين (الذي يسبب مشاكل عند ارتفاع مستوياته).
أظهرت فحوصات الدم والبراز لدى الأشخاص الذين تناولوا البروبيوتيك ارتفاع مستويات السيروتونين وانخفاض مستويات الكينورينين. كما عزز العلاج سلالات البكتيريا النافعة، بما في ذلك بكتيريا Lactobacillus paracasei وLactobacillus plantarum وBifidobacterium animalis.
دعمت الدراسات على الحيوانات، باستخدام فئران تغذت على نظام غذائي منخفض الألياف، هذه النتائج. فقد أظهرت الفئران سلوكيات شبيهة بالاكتئاب مع إمساك، لكن البروبيوتيك عالج هاتين المشكلتين. وزاد العلاج من إنتاج إنزيم تريبتوفان هيدروكسيلاز 1، وهو إنزيم ينتج السيروتونين، بينما قلل من إنتاج إندوليمين 2،3-ديوكسيجيناز 1، وهو إنزيم ينتج الكينورينين.

أهمية هذا الاكتشاف في العلاج المستقبلي
بينما تستهدف مضادات الاكتئاب الحالية كيمياء الدماغ مباشرةً، تُشير هذه النتائج إلى إمكانية علاج الحالة المزاجية من خلال الجهاز الهضمي. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية ومشاكل في الجهاز الهضمي، قد تكون الأمعاء هي مفتاح الشعور بالتحسن بشكل عام.
من المهم ملاحظة أن السلالة البكتيرية المحددة المستخدمة في هذه الدراسة حاسمة. لا تنطبق النتائج نفسها على أي بروبيوتيك عشوائي. استخدم الباحثون سلالة Bifidobacterium animalis lactis A6، التي عُزلت في الأصل من عينة براز مسن في الصين، مما يوضح كيف يمكن لسلالات معينة أن تقدم فوائد صحية فريدة.
ومع ذلك، شملت الدراسة مشاركين صينيين فقط، ولم تأخذ في الاعتبار الاختلافات الغذائية التي تؤثر على بكتيريا الأمعاء. لذا، هناك حاجة إلى دراسات أوسع وأكثر تنوعًا قبل أن يتمكن الأطباء من التوصية بهذا النهج للمرضى بثقة.
بدلاً من معالجة الاكتئاب والإمساك كمشكلتين منفصلتين، يدعم هذا البحث مفهوم الطب الدقيق، أي تصميم علاجات خاصة بناءً على مجموعة محددة من الأعراض لدى كل شخص. بالنسبة لبعض الناس، قد يمر طريق تحسين صحتهم النفسية مباشرة عبر معدتهم.