الصحة والغذاء

الحرمل.. النبات الذي ظلمه الطب الحديث

سبق أن أغفل «نبات الحرمل» خلال القرنين الماضيين بسبب كثرة الأدوية الكيميائية المصنعة. ولا يخفى أن معظم الأدوية المجربة التي أثبتت جدارتها كانت أصـلًا مفصـولة من النباتات.

سمعة طيبة

ولهذا المصدر النباتي الهام سمعة طيبة خلال العقود الأخيرة كمصدر هام للأدوية، وبدا ذلك واضحًا عندما قامت منظمة الصحة العالمية بدور تشجيعي للعلاج بالأعشاب ومحاولة تنسيقها واستيعابها في نظام الصحة الأولية في دول مختلفة بجانب تطبيق خبرة الطب الحديث.

وقد قام باحثون في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وباكستان بعزل ووصف العديد من المواد الكيميائية الهامة في الحرمل، التي تشمل مختلف أنواع أشباه القلويات Akaloids، والتي يزيد تعدادها عن العشرة، كما وجدت أنواع مختلفة من أشـباه فلافينيودات Flavoinids والجلايكوســيدات Glycosides والتانين Tannins، وثبت أن النشاط البيولوجي لنبات الحرمل يعتمد على أفعال هذه المكونات الكيميائية المختلفة. ولعل مرارة طعم أوراق الحرمل يأتي كنتيجة لوجود الكثير من أشباه القلويات.

 استعمالات شعبية

نبات الحرمل من أكثر النباتات استعمالًا في الطب الشعبي في مناطق كثيرة من العالم مثل المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج وباكستان والهند. فلقد استعمل الحرمل، ومنذ عهود طويلة ضد داء الزهري (السفلس) والروماتيزم وكل أنواع الآلام والديدان الأسطوانية.

ويستعمل بعض مرضى السكري نبات الحرمل كعلاج، إما بمفرده أو بالإضافة إلى الأدوية التي يصفها الأطباء. وقد لا يخلو هذا الأمر من خطورة، كما أشار إلى ذلك بعض الأطباء خاصة عند عدم إعلام المريض للطبيب بما يتناوله من نبات طبي، إضافة إلى الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب المختص.

الحمل والأجنة

هناك كارثة صاحبت استعمال دواء ثالدومايد منذ حوالي أربعين عامًا تسببت في إحداث تشوهات خلقية، لذا كان لزامًا على شركات الأدوية عند تطوير أي مادة لتصير دواء معرفة ما إذا كان لهذا الدواء تأثير ضار على الحمل والأجنة أم لا. ويتم ذلك بدراسة تأثير هذه المادة على فئران أو جرذان خلال فترات محددة من فترة الحمل، حيث إن التأثير على الأجنة المتمثل في الضمور والتشوهات الخلقية والإجهاض وغيرها يختلف حسب فترة الحمل التي أعطيت فيها المادة.

وخلصت دراسة إلى أنه رغم صغر الخطر الذي يسببه استعمال هذا النبات كعلاج لدى الإناث الحوامل إلا أنه من الأحوط نصح النساء الحوامل بعدم تناول أي من مكونات هذا النبات خلال فترة الحمل والرضاعة حتى تتوفر المزيد من المعلومات حول سلامة هذا النبات عند استعماله في فترة الحمل.

ووجد أن إعطاء بعض مستخلصات أوراق الحرمل للجرذان السليمة يزيد من تركيز بعض من المواد المانعة للأكسدة، ويقلل من الأكسدة الفوقية للدهن، مما يشير إلى أنه قد يكون لهذا النبات مكونات يمكن الاستفادة منها في تخليق مواد مانعة للأكسدة قد يستفاد منها في علاج بعض الأمراض أو التسمم ببعض الأدوية (مثل براسيتامول Paracetamol) التي لها علاقة بزيادة إنتاج الشوارد الحرة.

تأثيرات متنوعة

درس بعض الباحثين تأثير هذه المستخلصات على أنشطة الجهاز العصبي المركزي المختلفة. وثبت أن مستخلصات النبات تثبط النشاط الحركي للحيوانات وتسكنها (أي تقتل الألم)، وذلك بآلية تشبه الآلية التي تقوم بها أشباه الأفيونات بذات الفعل.

كما ثبت أن لبعض مستخلصات جذور الحرمل تأثيرًا قاتلًا على الكثير من أنواع البكتيريا بنوعيها (موجبة وسالبة الجرام)، وأن لبعض مستخلصات الأوراق تأثيرًا مقللًا لكريات الدم البيضاء مما يرشحها للدراسة كمادة قد تكون ذات فائدة لعلاج بعض السرطانات.

ووجد بعض الأبحاث أن مستخلصات هذا النبات تزيد من حركة الأمعاء المعزولة في بعض الحيوانات المعملية، بينما وجد آخرون أن هذه المستخلصات تمنع زيادة حركة الأمعاء التي تحدثها مادة أستايل كولين.

 التأثيرات السامة

ما من دواء إلا وله أضرار جانبية قلت أم كثرت- ونبات الحرمل ليس استثناء من هذه القاعدة، فإعطاء جرعات كبيرة جدًا منه قد تضر بالكبد، ومضار محتملة على الأجنة.

 نخلص من ذلك إلى أن نبات الحرمل من أكثر النباتات الطبية شيوعًا في الاستعمال الطب الشعبي، ومن أكثرها جذبًا لاهتمام العلماء، ويعتبر من النباتات الواعدة في مجال التصنيع الدوائي بعد أن تتم المزيد من الدراسات المعمقة في الآثار الدوائية والسمية لمستخلصات ومكونات هذا النبات. 

أ.د. بدر الدين حامد علي – أستاذ الطب البيطري

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم