الصحة والغذاء

التستوستيرون.. والسلوك

التستوستيرون هو هرمون الذكورة، أو بمعنى أدق هو أقوى الهرمونات الذكرية التي تعرف بالأندروجينات، ويتم تخليقه من الكولسترول في خلايا بالخصية، ثم إفرازه مباشرة في الدم. ويبدأ تأثيره على الجنين قبل أن يولد حيث تقوم خصيتا الجنين بإفرازه إذا كان الجنين ذكرًا (xy) فيؤدي إلى تطور الجنين ناحية الذكورة. وعدم وجوده (xx) يؤدي إلى تطور الجنين ناحية الأنوثة.

ويتحول مقدار من التستوستيرون إلى هرمون مشابه يسمى (DHT) يؤدي إلى نمو الأعضاء الجنسية. ويعزى إليه أيضًا حدوث الصلع ومشاكل البروستاتا في البالغين.  وبعد الولادة يتوقف إفرازه ليبدأ إفرازه ثانية عند البلوغ حيث يؤدي إلى استكمال نمو الأعضاء التناسلية وتطور صفات الجنس الثانوية مثل شعر الوجه وخشونة الصوت وافرازات الجلد الدهنية وخلافه، بالإضافة إلى تنبيه نمو العظام والعضلات.

وفي أثناء التمرين العضلي يزداد تركيز التستوستيرون في الدم بحوالي 37%.  وفي أثناء التمرينات العضلية الهوائية يتم تكسير البروتين لاستغلاله في إنتاج الطاقة الأمر الذي يؤدي إلى تضاؤل حجم العضلات. ويعتقد أن هذا هو السبب في أن كثيرًا من العدائين يمارسون الرياضات الثقيلة مثل رفع الأثقال لاستعادة ما يفقدونه من كتلة العضلات.  كما يمكن زيادة إفراز التستوستيرون أثناء التمرينات العضلية إذا ما تناولت غذاء غنيًا بالكربوهيدرات والبروتين قبل التمرين بساعتين وكذلك بعده مباشرة. ويؤكد عالم الأنثروبولوجيا ريتشارد رانجام من جامعة هارفارد أن التستوستيرون يصل إلى القمة خلال المنافسة ويبقى مرتفعًا بعد ذلك في جسم الفائز ولكنه يهبط في جسم الخاسر.

 وقد خصص برنامج تليفزيوني أمريكي بعنوان (الأولاد والبنات مختلفون،Boys  and Girls Are Different)، حلقة عن الفروق بين الجنسين، كان من أهمها بحث أجري على الأولاد والبنات في السنة الأولى من أعمارهم.. حيث وضع الباحثون حاجزًا يفصل بين الطفل وأمه بحيث تمكن الطفل من رؤية أمه لكن دون الوصول إليها، فحاول الأولاد الذكور تحطيم الحاجز والوصول إلى أمهاتهم بينما وقفت البنات تبكي دون حراك. هذا البحث يدعم الدراسات السابقة التي تقول إن الرجال أكثر عدوانية وأكثر ميلاً إلى العنف من النساء. ولكن أعمار الأطفال موضع الدراسة لم تكن تتعدى عامًا ميلاديًا واحدًا في وقت إذاعة البرنامج، وبالتالي فإن النتيجة يمكن تفسيرها على أساس الاختلافات البيولوجية أو الموروثة رغم أنه لا يمكن استبعاد الفروق الاجتماعية كلية بسبب مرور ما يقرب من سنة من أعمارهم ذاقوا فيها بعضًا من جوانب الحياة الاجتماعية.

الغريب أن نتائج التحاليل أظهرت ارتفاع مستويات التستوستيرون في دماء المجرمين والعدوانيين من الرجال، ولكن ذلك لا يعني أن كل من لديه مستوى مرتفع منه يكون أكثر عدوانية وإجرامًا من أقرانه ذوي المستويات المنخفضة، فبعض العلماء يعتقد أن زيادة التستوستيرون تتحول في الجسم إلى الهرمون الأنثوي «الأستروجين» خلال عملية كيماوية تؤدي إلى انعكاس السلوك. وهذه العملية قد تكون السبب في نمو أنسجة الصدر لدى بعض الرجال.

وفي كتاب بعنوان «أبطال مجرمون محبون: التستوستيرون والسلوك»، أجرى مؤلفه (دابس، Dabbs)، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة جورجيا أبحاثًا حول تأثيرات التستوستيرون على الأفراد والمجتمعات. وخلص إلى أن هذا الهرمون يعطينا الطاقة والطموح والجرأة.

وبدونه ما استطاع الإنسان القديم أن يغادر كهفه وما استطاع الإنسان الحديث أن يخترع أبسط الاختراعات بدءًا من العجلة. ولكن الصندوق الأسود لهذا الهرمون العجيب مازال يحوي الكثير مما لم نعرفه وعلينا سبر في أغواره لاكتشاف تأثيره علينا قبل أن نصنف الأفراد على حسب إنتاجهم من هذا الهرمون.

وقد تعجب إذا عرفت أن النساء أيضًا لديهن الهرمون الخاص بالرجال، لكن بنسبة تبلغ 1/8 إلى 1/10 عند الرجال، إلا أن أجسام النساء ذات حساسية للكميات الصغيرة من الهرمون تفوق حساسية الرجال. وبتقدم العمر تنخفض مستويات التستوستيرون عند الرجال وترتفع عند النساء نسبيًا بسبب انخفاض الهرمون الأنثوي (الأستروجين) لديهن، وبتقدم العمر يصبح الرجال والنساء من الناحية الهرمونية على حد سواء تقريبًا.

أ.د. مسعد شتيوي – أستاذ العلوم الزراعية

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم