الصحة والغذاء

الإدخال المبكر للفول السوداني يمنع الحساسية

في تأكيد جديد ومهم على فعالية التوصيات الصحية الحديثة، كشفت بيانات واقعية واسعة النطاق في الولايات المتحدة عن انخفاض ملحوظ في معدلات تشخيص حساسية الفول السوداني وحساسية الطعام بشكل عام بين الأطفال الصغار، وذلك بعد تبنّي إرشادات الصحة العامة التي تدعو إلى الإدخال المبكر لهذا النوع من الأطعمة المثيرة للحساسية في النظام الغذائي للرضّع.

ونشرت هذه النتائج في دراسة حديثة في مجلة “طب الأطفال” (Pediatrics)، حيث قام الباحثون بتحليل سجلات صحية إلكترونية لعشرات الآلاف من الأطفال، مما يوفر دليلاً قوياً وملموساً على أن التحول من استراتيجية “الامتناع” إلى استراتيجية “التعريض المبكر” يحقق الفائدة المرجوّة على أرض الواقع.

التحوّل في الإرشادات: من الامتناع إلى الإدخال

لطالما سادت نصيحة طبية تقليدية تدعو الآباء، خاصة أولئك الذين لديهم أطفال معرضون لخطر عالٍ للإصابة بالتهاب الجلد التأتبي أو الحساسية، إلى تأجيل إدخال مسببات الحساسية الشائعة مثل الفول السوداني حتى يبلغ الطفل عدة سنوات.

إلا أن هذه النصيحة تعرضت للتحدي القوي من خلال الأبحاث الحديثة التي أظهرت أن الامتناع لم يكن فعالاً في الوقاية. وكانت الدراسة الأبرز في هذا السياق هي تجربة “التعرّف المبكر على حساسية الفول السوداني” (LEAP) التي أجريت عام 2015. وقد أثبتت هذه التجربة بشكل قاطع أن الاستهلاك المبكر والمستمر للفول السوداني لدى الرضّع المعرّضين لخطر عالٍ (تتراوح أعمارهم بين 4 و11 شهراً) قلل بشكل كبير من خطر إصابتهم بالحساسية بنسبة وصلت إلى 81%.

بناءً على نتائج “LEAP”، أصدرت منظمات صحية أمريكية في عامي 2015 و2017 إرشادات جديدة تشجع على الإدخال المبكر للفول السوداني والأطعمة الأخرى المسببة للحساسية في النظام الغذائي للرضّع.

انخفاض بنسبة 45% في حساسية الفول السوداني

هدفت الدراسة الجديدة إلى سد فجوة المعرفة حول ما إذا كانت هذه الإرشادات الجديدة قد أحدثت تأثيراً في الممارسات اليومية. واستخدم الباحثون بيانات من شبكة واسعة للرعاية الأولية للأطفال في الولايات المتحدة، وقارنوا بين ثلاث مجموعات من الأطفال (تتراوح أعمارهم بين يوم وثلاث سنوات):

  1. مجموعة ما قبل الإرشادات (2012-2014).
  2. مجموعة ما بعد الإرشادات الأولية (2015-2017).
  3. مجموعة ما بعد الإرشادات التكميلية (2017-2019).

أظهرت النتائج ترابطاً قوياً ومهماً بين نشر الإرشادات وانخفاض معدل تشخيص حساسية الطعام:

  • حساسية الفول السوداني: انخفض معدل حدوث حساسية الفول السوداني (التي تتم بوساطة الغلوبولين المناعي E) من 0.79% في مجموعة ما قبل الإرشادات إلى 0.45% في مجموعة ما بعد الإرشادات التكميلية، وهو ما يمثل انخفاضاً في خطر التشخيص بنسبة تناهز 45%.
  • حساسية الطعام الإجمالية: لم يقتصر الانخفاض على الفول السوداني، بل شمل جميع أنواع حساسية الطعام التي تتم بوساطة الغلوبولين المناعي E، حيث انخفض معدلها الإجمالي من 1.46% إلى 0.93%، أي ما يعادل انخفاضاً في الخطر بنسبة 37%.

تحديات وفرص التنفيذ

على الرغم من هذه النتائج الإيجابية، أشارت الدراسة إلى بعض الجوانب التي تتطلب المزيد من الاهتمام:

  1. الفئة عالية الخطورة: لم يجد الباحثون انخفاضاً ملحوظاً في خطر الإصابة بحساسية الفول السوداني لدى الأطفال الذين لديهم تاريخ سابق للإصابة بالتهاب الجلد التأتبي، وهي فئة تعتبر عالية الخطورة.
  2. حساسيات أخرى: في حين انخفضت حساسية حليب البقر، لم تسجل حساسية البيض أي انخفاض. والأمر اللافت هو أن حساسية البيض تجاوزت حساسية الفول السوداني لتصبح الحساسية الأكثر شيوعاً بين المجموعات التي طُبقت عليها الإرشادات الجديدة.
  3. التنفيذ العملي: أكد الباحثون أن الانخفاض المُلاحَظ في العالم الواقعي (45%) كان أقل تواضعاً مقارنة بالانخفاض الكبير الذي سجلته تجربة “LEAP” الخاضعة للرقابة (81%). ويدل هذا التباين على وجود فرصة لتحسين جهود التنفيذ العملي لهذه الإرشادات في العيادات والمنازل لتعظيم الفائدة.

وخلص مؤلفو الدراسة إلى أن هذه النتائج تدعم الإرشادات الحالية كخطوة قيّمة نحو طفولة صحية وخالية من الحساسية. ومع ذلك، حذّروا من أن أدلتهم تُظهر ترابطاً بين الإرشادات وانخفاض الحساسية، وليس إثباتاً للسببية المباشرة، مما يفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث لتقييم التأثيرات الكاملة للتوصيات الصحية الوطنية على المدى الطويل.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات روناء للإعلام المتخصص   روناء